الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

القسم الثاني من [التجنيس ويقال له الناقص]، والمشبه،

صفحة 104 - الجزء 3

الصنف الرابع والثلاثون في الاختتام

  اعلم أنا قد قدّمنا في فواتح الكلام ومبادئه وذكرنا ما يتعلق بالتخلصات، والذي نذكره الآن إنما هو كلام في حسن الخاتمة، فينبغي لكل بليغ أن يختتم كلامه في أي مقصد كان بأحسن الخواتم فإنها آخر ما يبقى على الأسماع، وربما حفظت من بين سائر الكلام لقرب العهد بها، فلا جرم وقع الاجتهاد في رشاقتها وحلاوتها، وفي قوتها وجزالتها، وينبغي تضمينها معنى تاما يؤذن السامع بأنه الغاية والمقصد والنهاية، ولهذا قال #:

  «ملاك العمل خواتمه»، وفي حديث آخر: «ألا إنما الأعمال بخواتيمها»، وفي حديث آخر: «لا تعجبوا بعمل أحد حتى تدروا بم يختم له»⁣(⁣١)، فالخاتمة في كل شيء هي العمدة في محاسنه، والغاية في كماله، فأما المتقدمون من الشعراء كامرئ القيس، والنابغة، وطرفة، وغيرهم من شعراء الجاهلية فليس لهم فيه كل الإجادة، وإنما الذي أجاد فيه المتأخرون، كأبى نواس، والمتنبي، والبحتري، وأبى تمام، ولنضرب في ذلك أمثلة:

  المثال الأول: من آي التنزيل فإن الله تعالى ختم كل سورة من سوره بأحسن ختام، وأتمها بأعجب إتمام، ختاما يطابق مقصدها، ويؤدى معناها، من أدعية، أو وعد أو وعيد، أو موعظة أو تحميد، أو غير ذلك من الخواتيم الرائقة، ألا ترى إلى ما ختم به سورة البقرة وسورة الفاتحة، فأما الفاتحة فختمها بما يناسب معناها ويطابق لفظها، من حسن التأليف وجودة الجزالة بذكر الصنفين المغضوب عليهم من اليهود والنصارى، وأن لا يجعلنا منهما، ويتم لنا هدايته الكاملة، إلى حججه الواضحة، وبراهينه النيّرة، واختتم سورة البقرة بتعليم الابتهال إليه في مغفرة الخطايا وترك تحمل الأثقال والإصر والنصرة على الكفار، ونحو اختتام سورة آل عمران بالخواتيم الحسنة من الوصايا بالصبر على المكاره، والمصابرة على الجهاد لأعداء الله، وإشادة معالم الدين وإظهار أحكامه، والرابطة للخيل في الجهاد وإعدادها للغزو، وبالتقوى التي هي قوام الدين وملاكه، فمن أجل ذلك يحصل السبب في الفلاح في كل الأمور، وفي خاتمة سورة النساء بالتبجيل والتعظيم بالبيان والهداية، وبما كان من الوعد، والوعيد في خاتمة سورة الأنعام بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ


(١) صحيح: أخرجه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة، وانظر صحيح الجامع ح (٧٣٦٦)، والصحيحة (١٣٣٤).