القسم الثالث في بيان الإيجاز من غير حذف فيه
المرتبة الخامسة في بيان [الألفاظ المستغرقة]،
  ومن جملة ما يعرض لألفاظ الاستغراق، فإنه من الأمور المهمة لتعلقه بالمسائل الدينية الوعيدية، وفيه مضطرب النظار من الأصوليين في المباحث الفقهية، ويشم رائحة من علوم المعاني، فلا ينبغي إغفاله وهي ألفاظ العموم، ثم معناها ما دل على معنيين فصاعدا من غير حصر، فقولنا «ما دل على معنيين»، عام في الاستغراق والاشتراك، وقولنا «من غير حصر»، تخرج عنه الأسماء المشتركة، فإن ما تدل عليه منحصر، وهي منقسمة إلى ما يكون مستعملا في حق العقلاء كمن، والذين، والمسلمين، والرجال، وفي غير العقلاء كما، والأفراس، وإلى ما يكون للعقلاء وغير العقلاء كأي، وكل. فهذه الألفاظ كلها مستغرقة لما تصلح له ويندرج تحتها، وإنما ذكرناها لما ذكرنا منازل الألفاظ ودرجها، وإلا فموضعها اللائق بها أصول الفقه، ونذكر على أثرها ما يكون لائقا بها من ذكر الفروق بينها وذكر ما هو مندرج تحتها ونردفه بالمراتب.
المرتبة السادسة في إيراد الفروق بين هذه الألفاظ
  اعلم أن كل من أحاط علما بما ذكرناه من ماهيتها، فإنه لا يقع عليه لبس في كل واحد منها بغيرها، وإنما نورد التفرقة على جهة الإيضاح والبيان، وجملة ما نورده من ذلك فروق خمسة:
  «الفرق الأول» بين المشتركة والمتشابهة
  اعلم أن الشيخ أبا حامد الغزالي قدّر أمر التفرقة بينهما بما حكيناه من قبل، وهو أن المشتبهة متفقة في أمر يجمعها كما قلناه في لفظة النور، بخلاف اللفظة المشتركة، فإنه لا اشتراك بينها في أمر معنوي بحال، فإن صح ما قاله الغزالي في اشتراكها في أمر معنوي وإن خفى ودق فهما مفترقان. ويمكن أن يقال إن الأمر الذي قاله ليس أمرا حقيقيا، وإنما هو خيال، فيجب اندراجها تحت المشتركة، وينزّل الخلاف في لفظة النور على ما ذكرناه من تلك الأنوار منزلة إطلاق لفظة اللون على جميع أنواع اللون، فإن حصلت تفرقة بينها وبين