الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

القسم الثالث في بيان الإيجاز من غير حذف فيه

صفحة 80 - الجزء 2

الفصل التاسع

  في بيان منزلة اللفظ من معناه وكيفية إضافته إلى قائله، وكيفية دلالته على معناه وبيان قوة المعنى لقوة اللفظ.

  اعلم أن هذا الفصل إنما أوردناه هاهنا لكونه مشتملا على قوانين تتعلق بالدلائل الإفرادية، ولها تعلق بما نحن فيه من علة المعاني، وتفيد فيه فائدة جزلة غير خافية، وجملتها أربعة:

القانون الأول في بيان منزلة اللفظ من معناه، وبيان درجته منه

  اعلم أن الذي عليه علماء الأدب من أهل اللغة وعلم الإعراب وهو الذي عول عليه جماهير الأصوليين أن دلالة الألفاظ على معانيها، إنما هو من جهة المواضعة، وخالف في ذلك طوائف. واستقصاء الكلام يليق بالمباحث الكلامية، فإذا قلت: قام زيد فإنه يفيد بالوضع أمورا ثلاثة، القيام، وزيد، واتصاف زيد بالقيام، فإذا كانت الألفاظ مفيدة للمعاني كما ترى لكونها موضوعة من أجلها، فاعلم أن الذي عليه أهل التحقيق أن الألفاظ تابعة للمعاني، وقد صار صائرون إلى أن المعاني تابعة للألفاظ، والذي أوقعهم في هذا الوهم وقرر عندهم هذا الخيال، هو أنهم لما رأوا المعاني لا يرسخ معقولها في الأفئدة إلا بعد أن تخرق الألفاظ قراطيس أسماعهم، فتوهموا من أجل ذلك أنها تابعة للألفاظ، والمعتمد في بطلان هذه المقالة أوجه ثلاثة، أولها: هو أن معنى الفرس، والأسد، والإنسان، مفهوم عند العقلاء لا يتغير، والعبارات عن كل واحد من هذه الحقائق تختلف عليه بحسب اختلاف اللغات من العربية، والفارسية، والتركية، والرومية، والسريانية، فلو كانت المعاني تابعة للألفاظ كما زعموه لوجب أن تكون مختلفة لاختلاف هذه الألفاظ، فلما عرفنا خلاف ذلك دل على صحة ما قلناه، من كون المعاني أصلا للألفاظ، وثانيا: أن المعاني منها ما يكون معنى واحدا، ثم توضع له ألفاظ كثيرة تدل عليه وتشعر به، فلو كانت المعاني تابعة للألفاظ لكان يلزم إذا كانت الألفاظ مختلفة أن يكون المعاني مختلفة أيضا، فلما كان المعنى واحدا والألفاظ متغايرة بطل ما قالوه، وثالثها أن المعاني لو