الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

القسم الثاني ما يتعلق بالعلوم البيانية

صفحة 180 - الجزء 3

القسم الثاني ما يتعلق بالعلوم البيانية

  وهو في مصطلح أرباب هذه الصناعة، عبارة عن إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة بالزيادة في وضوح الدلالة وبالنقصان عنها، ومثاله أنك إذا أردت أن تحكى عن زيد بأنه شجاع، فبالطريق اللغوية أن تقول: زيد شجاع يشبه الأسد في شجاعته، وإذا أردت الإتيان بهذا المعنى على طريق البلاغة، فإنك تقول فيه: رأيت الأسد وكأن زيدا الأسد، فالأول هو الاستعارة، والثاني على طريق التشبيه، فعلم البيان إنما يكون متناولا للدلالة الثانية، لأن فيها تحصيل الزيادة والنقصان في المعنى المقصود، وفائدته الاحتراز عن الخطأ في مطابقة الكلام لتمام المراد منه، فصارت الدلائل ثلاثا، دلالة المطابقة، وهي الدلالة اللغوية، كدلالة لفظ الإنسان والفرس على هاتين الحقيقتين المخصوصتين، وهي دلالة لغوية تختلف باختلاف الاصطلاحات والأوضاع، ودلالة الالتزام، وهي التي تدل على أمر خارج غير المسمى، ومثاله دلالة لفظ الفرس، والإنسان، على ما يكون لازما لهما عقلا، نحو الكون في الجهة والحصول في الأماكن، فهذه دلالة التزامية لأنه لا ينفك عما ذكرناه، ودلالة التضمن، وهي الدلالة على جزء من أجزائه، كدلالة الفرس والإنسان على أجزائهما.

  واعلم أن المقصود الأعظم من هذه القاعدة هو بيان أن القرآن قد نزل في أعلى طبقات الفصاحة، وأن كل كلام غيره وإن بلغ كل غاية في البلاغة، فإنه لا يدانيه، ولا يماثله وأن الثقلين من الجن والإنس لو اجتمعوا على أن يأتوا بمثله، أو بسورة منه، أو بآية، ما قدروا، كما حكى الله تعالى من تصديق هذه المقالة بقوله تعالى {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ٨٨}⁣[الإسراء: ٨٨] وقد حصل عجز الخلق عن الإتيان بمثله قطعا كما سنقرره بعد هذا بمشيئة الله تعالى، سواء أكان العجز بالإضافة إلى ما تضمنه من علوم المعاني، أم كان العجز بالإضافة إلى ما تضمنه من علوم البيان، وقد مر الكلام على ما تضمنه من علوم المعاني، والذي نذكره هاهنا هو ما تضمّنه من علوم البيان، فنذكر ما تضمنه من التشبيه، ثم نردفه