الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

القسم الثاني من التكرير في المعنى دون اللفظ،

صفحة 110 - الجزء 2

الوجه الثاني أن يكون للاستقبال ثم إما أن تكون الجملة مصدرة بالفعل كقولك:

  أتفعل هذا في أمر مستقبل، ويكون معناه إنكار الفعل نفسه، وتزعم أنه غير كائن، وأنه لا ينبغي أن يكون أبدا، وإما أن تكون مصدرة بالاسم كقولك: أأنت تفعل كذا وأنت موجه الإنكار إلى الفاعل أي أنه لا يتأتى منه ذلك الفعل ولا يستطيعه، ويوضحه أنك إذا قلت:

  أأنت تمنعني عن الفعل، كنت منكرا منعه وأنه غير قادر وإنما يقدر على ذلك غيره قال⁣(⁣١):

  أأترك إن قلّت دراهم خالد ... زيارته؟ إنّى إذن للئيم

  هكذا قرّر علماء البيان دخول الهمزة على هذه الأوجه كما ترى.

  الصورة الرابعة في [حروف النفي وهي ما، ولن، ولا، ولم]

  واعلم أن لحروف النفي تعلقا بالبلاغة لما يلحقها من الأسرار القرآنية والمعاني الشعرية بحسب مواقعها ومواردها لها بالإضافة إلى الأزمنة التي تدخل عليها ثلاث حالات:

  الحالة الأولى أن تكون داخلة على الفعل لنفى الأزمنة الماضية وهذا نحو قولنا: لم، ولما، فإنهما موضوعان من أجل نفى الماضي، خلا أنّ «لمّا» مفارقة «للم» من وجهين، أما أولا فلأن «لم» لنفى فعل ليس معه قد، «ولما» لنفى فعل معه قد، فلم لنفى قولنا: فعل فتقول في جوابه لم يفعل، وأما ثانيا فلأن نفى «لما» أبلغ من نفى لم، ولهذا فإنك تقول: ندم ولم ينفعه الندم، أي نفى ندمه وتقول ندم ولما ينفعه الندم أي إلى وقته، فحصل من هذا أن نفى «لمّا» أبلغ من نفى «لم» لما قررناه والسبب في ذلك أن «لما» أنفس في حروفها من «لم» فلا جرم حصلت المبالغة فيها من أجل ذلك.

  الحالة الثانية أن تكون داخلة لنفى الحال وهي «ما» فتقول ما يفعل زيد، وما زيد منطلقا ومنطلق، فالرفع لغة بنى تميم، والنصب في الخبر لغة أهل الحجاز، وهي في جميع مداخلها لنفى الحال سواء كان دخولها على الفعل، أو على الاسم رافعة للخبر أو ناصبة له، ومصداق كونها واردة في أصل وضعها لنفى الحال، امتناع قولنا: إن تكرمنى ما أكرمك، لأن الشرط للاستقبال، فلو كانت لنفى المستقبل لجاز ذلك كما جاز في نحو لن أكرمك إن


(١) البيت في الأغانى لعمارة بن عقيل بن بلال بن جرير ٢٤/ ٢٠٣، والإيضاح ص ١٤١ بتحقيقنا.