القسم الثاني من التكرير في المعنى دون اللفظ،
  على صيغة الاستثناء، وكقول طرفة(١):
  فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة، تهمى
  فقوله: «غير مفسدها» وارد على جهة التأكيد بصيغة الاستثناء، فهذا ما أردنا ذكره من التأكيد المعنوي الذي ورد لفائدة.
الضرب الثاني من التأكيد من غير فائدة
  وهو أن ترد لفظتان مختلفتان يدلان على معنى واحد، وهذا كقول أبى تمام(٢):
  قسم الزمان ربوعنا بين الصّبا ... وقبولها ودبورها أثلاثا
  فالصبا والقبول، لفظتان يدلان على معنى واحد، وهما اسمان للريح التي تهب من ناحية المشرق، ونحو قول الخطيب:
  قالت أمامة لا تجزع فقلت لها ... إن العزاء وإنّ الصبر قد غلبا
  فالعزاء هو الصبر، لأن معناهما واحد، كقول عنترة(٣):
  حييت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
  فقوله «أقوى وأقفر» لفظان دالان على معنى واحد كما ترى وكقول بعض الشعراء من أهل الحماسة:
  إني وإن كان ابن عمى غائبا ... لمقاذف، من خلفه وورائه
  فقوله «من خلفه وورائه» كلمتان دالّتان على معنى واحد، هذا ما ذكره ابن الأثير، والأقرب أن وراء، قد يستعمل بمعنى قدّام كما قال تعالى: {وَراءَهُمْ مَلِكٌ}[الكهف: ٧٩] أي قدامهم، ولأنه إذا كان بمعنى قدام، كان أدخل في المدح وأعظم، لتضمنه تعميم الأحوال في الحياطة والدفاع عنه، فهذا وما شاكله قد وقع فيه نزاع بين علماء البيان، فمنهم من رده وقال إن ما هذا حاله بمنزلة التكرار اللفظي، فإذا كان التكرار معيبا فلا
(١) انظر البيت في المصباح ص ٢١٠، والإيضاح ص ١٩٥ بتحقيقنا، وهو لطرفة في ديوانه ص ١٤٦.
(٢) البيت لأبى تمام وهو في ديوانه / ٦٥، ورواية الديوان:
قسم الزمان ربوعها بين الصبا .... . . . . . . . . . .
(٣) البيت لعنترة، وهو في ديوانه ص ١٨٩، ولسان العرب ٨/ ١٧٦ (شرع)، وتهذيب اللغة ١/ ٤٢٤، وتاج العروس ٢١/ ٢٦٠ (شرع).