الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

البحث الرابع في مراعاة المحاسن المتعلقة بمركبات الألفاظ

صفحة 65 - الجزء 1

  الكلام، واستولى منه على بدائعه وغرائبه، وقد نبهنا على ذلك في شرحنا لكلامه في نهج البلاغة.

  فأما الجزالة فمنها قوله لأصحابه: تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل، وأقلوا العرجة على الدنيا، وأخرجوا منها قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها اختبرتم، ولغيرها خلقتم، فقدموا بعضا، يكن لكم قرضا، ولا تخلفوا كلّا، فيكون عليكم كلّا.

  فانظر إلى هذا الكلام ما أجزله وما أوضحه لبيان ما اشتمل عليه وتناوله.

  وأما الرقة، فمنها قوله #: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوى عن الغى والعدوان من لهج به، وقوله # في بعض مناجاته: اللهم صن وجهي باليسار ولا تبذل جاهى بالإقتار، فأفتن بحب من أعطاني، وأبلى ببغض من منعني، وأنت من وراء ذلك كله ولى الإعطاء والمنع، إنك على كل شيء قدير.

  وله # في تعليم الحرف، والوعظ، وتذكير الآخرة من الفخامة والجزالة، وفي الرقائق في تعليم معالم الدين، وإرشاد الخلق إلى مكارم الأخلاق، كلام بالغ، ووعظ زاجر، ما لا يوازيه كلام، ولا يساوى نظمه وإن انتظم أي نظام.

البحث الرابع في مراعاة المحاسن المتعلقة بمركبات الألفاظ

  وهذا نحو التجنيس كقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ}⁣[الروم: ٥٥] والترصيع، كقول عبد الرحيم بن نباتة الواعظ في بعض خطبه:

  الحمد لله عاقد أزمة الأمور بعزائم أمره، وحاصد أئمة الغرور بقواصم مكره.

  والتصريع: وإنما يكون في المنظوم الشعرى وغير ذلك من فنون البديع، فإن هذه الأمور كلها سنوردها في فن المقاصد، ونظهر أسرارها وما اشتملت عليه من المحاسن.

  فصار تأليف الألفاظ والكلم المفردة في إفادتهما للفصاحة بمنزلة تأليف العقد وانتظامه، فلا بد في ذلك من مراعاة أمور ثلاثة.

  أولها: اختيار الكلم المفردة كما فصلناه من قبل، كاختيار مفردات اللآلئ وانتقائها في حسن جوهرها وصورتها.

  وثانيها: نظم كل كلمة مع ما يشاكلها أو يماثلها كما يحسن ذلك في تركيب العقد