القسم الثالث في بيان الإيجاز من غير حذف فيه
  كانت تابعة للألفاظ للزم في كل معنى أن يكون له لفظ يدل عليه، وهذا باطل، فإن المعاني لا نهاية لها، والألفاظ متناهية، وما يكون بغير نهاية لا يكون تابعا لما له نهاية، وإنما كانت الألفاظ متناهية، لأنها داخلة في الوجود، وكل ما داخله الوجود من المكونات فله نهاية لاستحالة وجود ما لا نهاية له، وموضعه الكتب العقلية، وقد رمزنا إلى دليله هناك، وإنما كانت المعاني بلا نهاية؛ لأنها غير موجودة وإنما هي حاصلة في الذهن، وما وجد فقد تناهى، فأما مالا يوجد فليس له غاية، كالحقائق الذهنية، والأمور المتصورة، فإنه لا نهاية لها قبل تعلق العلم بها، فأما بعد تعلق العلوم بها فهي منحصرة بانحصار علومها.
  لا يقال فإذا كانت المعاني، سابقة على الألفاظ، وهي أصل لها، فما تريدون بقولكم إن الألفاظ دالة على المعاني وهذا يشعر بأن المعاني تابعة للألفاظ، لأنا نقول: هذا فاسد، فإنا قد أوضحنا أن الألفاظ تابعة للمعاني بما سبق من الأدلة فلا وجه لتكريره، قوله فما تريدون بقولكم إن الألفاظ دالة على المعاني، قلنا الغرض من قولنا إن الألفاظ دالة على المعاني، هو أن المعاني سابقة في الثبوت والاستقرار على الألفاظ، وهي بلا نهاية لكن احتيج إلى معرفة بعض تلك المعاني التي بلا نهاية من أجل التصرفات، وإحراز مقاصد الخلق، فلأجل هذا وضعوا لما تمسّ الحاجة إليه من المعاني ألفاظا تدل عليها وتكون مشعرة بها، لتواضعهم على إفادتها ليمكن التخاطب بها ويسهل قضاء الأوطار بسبب ذلك، وما كان عنه غنية فلا حاجة إلى أن يضعوا له ألفاظا تدل عليه لوقوع الاستغناء عنه بما ذكرناه، فينحل من مجموع ما ذكرناه أن الألفاظ تابعة للمعاني، وأنها بلا نهاية، وأن الألفاظ متناهية بما شرحناه والحمد لله.
القانون الثاني في كيفية دلالته على معناه
  اعلم أن الألفاظ من دلالتها على ما تدل عليه من المعاني لا يخلو حالها في الدلالة، إما أن تكون مما يدخلها المجاز، أو مما لا يدخله المجاز فإن كان الثاني فهو الأعلام كزيد وعمرو، وليس من همنا ذكرها، وإنما غرضنا أن نذكر أسماء الأجناس، وما لا يجوز تغييره عن وضعه الأصلي، ثم هي في ذلك على مراتب.