الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

القسم الثاني من التكرير في المعنى دون اللفظ،

صفحة 97 - الجزء 2

  أساء فيما أورده من ذلك، والأقرب أنه مجيد في مطلق التكرير كما حكيناه فيما أوردناه من آي التنزيل، فإن ما أورده من هذا التكرير دال على إغراق الممدوح في الكرم، لكن إنما عرض فيه ما عرض لمن أنكره، ورغم أنه غير محمود فيما جاء به من جهة أن لفظة العارض، ولفظة الهتن، ليستا واردتين على جهة البلاغة فيهما لقلة الاستعمال لهما، فمن أجل هذا كان ما قاله ليس بالغا في البلاغة مبلغا عظيما لا من جهة التكرير، فإنه محمود لا محالة كما أشرنا إليه، ومن ذلك ما قاله أبو نواس⁣(⁣١):

  أقمنا بها يوما ويوما وثالثا ... ويوما ويوم للترحل خامس

  والمراد من هذا أنه أقام بها أربعة أيام، وهذا تكرير ليس وراءه كبير فائدة ولا اختص بحلاوة، ومن عجيب أمره أنه جعل هذا في عجز أبياته السينية التي حكيناها عنه في الإيجاز التي مطلعها قوله⁣(⁣٢):

  ودار ندامى عطلوها وأدلجوا ... بها أثر، منهم جديد، ودارس

  فلقد جمع فيها بين الكر والدر وبين البعر، والمسك الأذفر، ومن هذا قول أبى الطيب⁣(⁣٣):

  وقلقلت بالهمّ الذي قلقل الحشا ... قلاقل عيش كلهنّ قلاقل

  وقوله أيضا⁣(⁣٤):

  ولم أر مثل جيراني ومثلي ... لمثلى عند مثلهم مقام

  فهذا وما شاكله ليس من التكرير الحسن كما أسلفناه في غيره.

القسم الثاني من التكرير في المعنى دون اللفظ،

  وهذا القسم يستعمل كثيرا في القرآن وغيره، ويجيء مفيدا وغير مفيد، فهذان ضربان نذكر ما يتعلق بكل واحد منهما.


(١) البيت لأبى نواس، وهو في ديوانه / ٢٨٣، ورواية الديوان:

أقمنا بها يوما يومين بعده ... ويوما له يوم الترحل خامس

(٢) البيت لأبى نواس، وهو في ديوانه / ٢٨٣.

(٣) البيت للمتنبى، وهو في ديوانه ١/ ٧٨، ورواية الديوان: فقلقلت، بالفاء، و «عيس» ولعلها أصوب من «عيش».

(٤) البيت للمتنبى، وهو في ديوانه ١/ ١٤٦.