القسم الثاني من [التجنيس ويقال له الناقص]، والمشبه،
  فاستوعب جميع نوعي الجواب في النفي والإثبات، فلم يبق بعد ذلك شيء، فما هذا حاله إذا ورد في الكلام في نظمه أو نثره كان أدل ما يكون على البلاغة وأقوم شيء في الفصاحة، ولا يكاد يختص به إلا من رسخت قدمه فيها.
الصنف الثاني عشر الإكمال
  وهو إفعال، من أكمل الشئ إذا حصله على حالة لا زيادة عليها في تمامه، وهو في مصطلح علماء البيان مقول على أن تذكر شيئا من أفانين الكلام، فترى في إفادته المدح كأنه ناقص لكونه موهما بعيب من جهة دلالة مفهومه فتأتي بجملة فتكمله بها تكون رافعة لذلك العيب المتوهم، وهذا مثاله أن تذكر من كان مشهورا بالشجاعة دون الكرم، ومن كان عالما بالبلاغة دون سداد الرأي ونفاذ العزيمة، فترى في ظاهر الحال أنه ناقص بالإضافة إلى عدم تلك الصفة المفقودة عنه، فتذكر كلاما يكمل المدح ويرفع ذلك التوهم كما قال كعب بن سعد الغنوي في ذلك:
  حليم إذا ما الحلم زيّن أهله ... مع الحلم في عين العدوّ مهيب(١)
  فإنه لو اقتصر على قوله «حليم إذا ما الحلم زين أهله» لأوهم إلى السامع أنه غير واف بالمدح، لأن كل من لا يعرف منه إلا الحلم ربما طمع فيه عدوه فنال منه ما يذم به، فلما كان ذلك متوهما عند إطلاقه أردفه بما يكون رافعا للاحتمال مكملا للفائدة بوصف الحلم، وهو قوله «مع الحلم في عين العدو مهيب» ليدفع به ما ذكرناه من التوهم، وكقول السموأل بن عادياء:
  وما مات منا سيّد في فراشه ... ولا طلّ منا حيث كان قتيل(٢)
  فلو اقتصر على قوله: «وما مات منا سيد في فراشه» لأوهم أنهم صبر على الحروب والقتل دون الانتصار من أعدائهم فلا جرم أكمله بقوله «ولا طل منا حيث كان قتيل» فارتفع ذلك الاحتمال المتوهم وزال، وكما قال ابن الرومي نثرا: إني وليّك الذي لم يزل تنقاد إليك مودته من غير طمع ولا جزع، وإن كنت ولذي الرغبة مطلبا، ولذي الرهبة مهربا، فلو سكت على قوله إني وليك الذي لم يزل تنقاد إليك مودته من غير طمع ولا
(١) انظر المصباح ص ٢١٦، ٢١٧.
(٢) البيت في المصباح ص ٢١٧.