الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

البحث الأول فيما يتعلق ب [الأحرف العاطفة]

صفحة 27 - الجزء 2

  تردد، ففيه نهاية الهدى، وغاية الصلاح لأهل التقوى وهكذا قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ}⁣[البقرة: ٧] جاء بغير واو لما كان واردا على جهة التأكيد لقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}⁣[البقرة: ٦] لأن كل من كان حاله إذا أنذر مثل حاله إذا لم ينذر فهو في غاية الجهل والعمى مختوما على قلبه مغشى على بصره وقوله تعالى: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ}⁣[البقرة: ١٤] لأن قوله: {قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} أي إنا غير تاركي اليهودية في التكذيب بالرسول ÷ فيكون قولهم: {إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ ١٤} مؤكدا لهذا المعنى بعينه، ومن الواضح قوله تعالى {ما هذا بَشَراً}⁣[يوسف: ٣١] مع قوله {إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ٣١}⁣[يوسف: ٣١] لأن الجملة الثانية واردة مورد التأكيد، فإن كونه ملكا ينفى كونه من البشر، ومن هذا قوله تعالى {وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً}⁣[لقمان: ٧] فجرد التشبيهين عن العاطف؛ لأنه مثّل حاله بعد التلاوة مثل حاله قبلها فقوله {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها} مؤكد لما قبله وقوله {كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} مؤكد لما قبله أيضا، فلهذا جاءتا من غير عاطف.

دقيقة

  قد يعرض للجملة التي من حقها أن تكون معطوفة على ما قبلها أمر يسوغ ترك الواو مع كونها أجنبية عن الأولى مثاله قوله تعالى {إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ ١٤ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}⁣[البقرة: ١٤ - ١٥] فالجملة الثانية إنما جاءت مجردة عن الواو لما كانت على تقدير سؤال، كأنه قيل: هم أحقاء بالاستهزاء لأجل دخولهم في العناد وإغرابهم في التكذيب، فمن يستهزئ بهم، فقيل. الله يستهزئ بهم كما قال بعضهم⁣(⁣١):

  زعم العواذل أنني في غمرة ... صدقوا ولكن⁣(⁣٢) غمرتى لا تنجلى

  فلما حكى عن العواذل ما زعموه وجرّ ذلك سؤال السامع له عن صدق ما زعموه، أو كذبه، فكأنه قيل له: فما تقول في ذلك، فقال: أقول: صدقوا، ولكن لا مطمع لهم في خلاصي مما أنا فيه.


(١) انظر المصباح / ٥٩، والإيضاح / ١٥٧ بتحقيقنا، وقدا أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ١٢٥ بلا عزو، والطيبي في التبيان ص ١٤٢ بتحقيقنا، وهو غير منسوب. الغمرة: الشدة.

(٢) في الأصل (لكي)، الصواب: «لكن» ويدل عليه سياق الكلام بعده.