القسم الثاني من التكرير في المعنى دون اللفظ،
  وليس واقعا على «كلّ» فلهذا كان عاما، ومنه قول بعضهم:
  فكيف وكلّ، ليس بعدو حمامه ... وما لامرئ عمّا قضى الله مزحل
  فالنفى متصل بالفعل، فلهذا كان عاما ولو قلت: وليس كل يعدو حمامه، لأفسدت المعنى؛ لأنه يوهم أن بعض الناس يسلم من ملاقاة الحمام، وهو محال، ومنه قول دعبل:
  فوالله ما أدرى بأي سهامها ... رمتني وكلّ، عندنا ليس بالمكدى
  أبا لجيد أم مجرى الوشاح وإنني ... لأتهم عينيها مع الفاحم الجعد
  أراد أن سهامها كلها قاتلة لا يوجد فيها مكد بكل حال، وأكداه إذا نقصه، وأكداه، إذا منعه، فينحل من مجموع ما ذكرناه هاهنا أن «كلّا» إذا ولى حرف النفي في قولك: ما كل الرجال قائم، وما كل الرجال جاءني، فإنه واقع على شموله، سواء كان عاملا فيه أو غير عامل، كقولك: ما كل الرجال لقيت أو أكرمت، وما كل الرجال قام، فإذا كان النفي واقعا على الشمول كان مؤثرا فيه النفي، فلا يناقضه ما جاء على عكسه، فعلى هذا تقول في: ما كل الرجال جاءني بل جاءني بعضهم، فلا مناقضة فيه، بخلاف ما إذا كان حرف النفي واقعا حشوا في نحو قولك: كل الرجال ما لقيت، وكل الرجال ما أكرمت، فإنه يكون واقعا على نفى الإكرام معلّقا بالشمول، فلهذا إذا وقع ما يخالفه، كان مناقضا له، فإذا قلت: كل الرجال ما جاءني، فإنه يناقضه بل جاءني بعضهم، وسر التفرقة ما ذكرناه من تصدير حرف النفي ووقوعه حشوا وتوجّه النفي إلى الشمول خاصة، وأفاد ثبوت الفعل أو الوصف لبعض، أو تعلّقه به، وما كان على خلاف ذلك كان عاما في الشمول والآحاد، وما ذكره الشيخ عبد القاهر حيث قال: إن كانت كلمة «كلّ» داخلة في حيز النفي بأن تأخرت عن أداته كقوله: ما كل ما يتمنى المرء يدركه، أو معمولة للفعل المنفى نحو ما جاءني القوم كلهم، أو لم آخذ كل الدراهم، أو كل الدراهم لم آخذ، فالمعنى على نفى الشمول، مطابق لما ذكرناه في هذين التقريرين وضابط لما كان من النفي متعلقا بالشمول دون الآحاد وما كان عاما فيها.
الصنف الثاني ما يتعلق بالأفعال،
  وأكثرها متعلق بعلوم الإعراب، فلا حاجة بنا إلى ذكره، وإنما نذكر منها صورة واحدة وهي لفظة «كاد» وهي موضوعة للمقاربة دالة عليها، وقد وقع