الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

التنبيه الخامس في اكتساب وجه التشبيه

صفحة 147 - الجزء 1

التنبيه الخامس في اكتساب وجه التشبيه

  اعلم أن كل من أراد تشبيه شيء بغيره فلا بد من أن يجمع بينهما بوصف ما كما قررناه من قبل، فعليه أن يسعى في طلب الوجه الجامع بينهما، فمن طلب أن يمثل حركة أو هيئة بغيرهما، فعليه أن يطلب أمرا يتفقان فيه، كما فعل ذلك ابن المعتز في قوله:

  وكأن البرق مصحف قار ... فانطباقا مرة وانفتاحا

  فلم ينظر إلى جميع أوصاف البرق كلها ومعانيه، ولكنه أراد تشبيه هيئة البرق وحركة لمعانه بالمصحف، يفتحه القارئ مرة ويطبقه أخرى، فيكون جامعا بين الأمرين المختلفين ما ذكرنا من الجامع.

دقيقة

  ومما يكون مناسبا لما أوردناه في كونه جامعا بين المختلفات هو أن يجعل الشئ سببا لضده كما يقال أحسن إلى من حيث قصد الإساءة، ونفعني من حيث أراد الإضرار، كانت نجاتي من حيث قصد إهلاكى، ومن هذا قول بعض الشعراء:

  أعتقنى سوء ما صنعت من الر ... ق فيا بردها على كبدي

  فصرت حرا بالسوء منك وما ... أحسن سوء قبلي إلى أحد

  وما ذاك إلا من أجل تخيل الجامع في الأمور المختلفة المتضادة. كما قررناه. فهذا ما أردنا ذكر التنبيهات في صدر هذه القاعدة لتكون توطئة وتمهيدا لما نريد ذكره من أسرار التشبيه وحقائقه،

  فإذا تمهد ذلك فلنذكر أقسام التشبيه، ثم نردفه بذكر الأمثلة، ثم نذكر كيفية التشبيه، ثم نذكر أحكامه

  فهذه مطالب أربعة نفصلها بمعونة الله تعالى.

المطلب الأول في بيان أقسام التشبيه

  اعلم أن التشبيه له طرق كثيرة، وتنقسم إلى أنحاء منتشرة باعتبارات مختلفة، ولكنا نقتصر من ذلك على تقسيمات أربعة هي وافية بالمطلوب ومندرج تحتها شعب كثيرة.