الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

القسم الثاني من [التجنيس ويقال له الناقص]، والمشبه،

صفحة 205 - الجزء 2

الصنف الرابع [رد العجز على الصدر]

  اعلم أنا قد ذكرنا الاشتقاق فيما سلف وقررنا أسراره، فأما رد العجز على الصدر فظاهر كلام المطرزي وعبد الكريم صاحب التبيان أن أحدهما مخالف للآخر، ولهذا أفردا لكل واحد منهما باب على حياله، وكلاهما معدود في علم البديع، والذي عندي أنهما متقاربان، وأن رد العجز على الصدر أعم من الاشتقاق، لأن رد العجز على الصدر كما يرد في مختلف اللفظ، فقد يكون واردا في التساوي، بخلاف الاشتقاق، فإنه إنما يكون واردا فيما اختلف لفظه وبينهما جامع في الاشتقاق وقد مر فلا وجه لتكريره، والذي نتعرض لذكره إنما هو رد العجز على الصدر كما نقرره بمعونة الله، وهو وارد في النظم تارة، وفي النثر أخرى، ويأتي على ضروب.

الضرب الأول أن يكون الصدر والعجز متفقين في الصورة،

  وهذا كقوله تعالى: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ}⁣[الأحزاب: ٣٧] وقوله تعالى: {لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ٦١}⁣[طه: ٦١] ومن كلام البلغاء: الحيلة ترك الحيلة، وقولهم: القتل أنفى للقتل وفي الحريريات: وتحمى عن المنكر ولا تتحاماه، ومن النظم ما قاله بعض الشعراء⁣(⁣١):

  سكران سكر هوى وسكر مدامة ... أنّى يفيق فتى به سكران

الضرب الثاني أن يتفقا صورة ويختلف معناهما،

  وهو يأتي أحسن من الأول وأدخل في الإعجاب، وهذا كما قاله بعضهم:

  يسار من سجيتها المنايا ... ويمنى من عطيّتها اليسار

  فاليسار الأول هو الجارحة، واليسار الثاني من الميسرة، وهو نقيض الإعسار.


(١) انظر البيت في الإيضاح ص ٣٣٨ بتحقيقنا، هوى: عشق، مدامة: خمر، أنى يفيق معناه: كيف ينتبه؟ والاستفهام إنكاري.