الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

دقيقة

صفحة 110 - الجزء 1

دقيقة

  اعلم أنك إذا حققت النظر في الاستعارة في مثل قولك لقيت الأسد، وجاءني البحر، علمت قطعا أن التجوز إنما كان في جهة المعنى دون اللفظ من حيث اعتقدت أن ذات زيد ذات الأسد، من غير مخالفة، ومن أجل هذا قال أهل التحقيق من علماء المعاني: إن استعمال المجازات يكون أبلغ في تأدية المعاني من استعمال الحقائق، ولهذا فإنه يقال عند ذاك جعله أسدا وبحرا كما يقال جعله أميرا.

  فإن زعم زاعم أن المراد بالجعل هاهنا التسمية كقوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً}⁣[الزخرف: ١٩] أي سموا، والمفعول الثاني من فعل سمى أبدا يكون المراد به اللفظ دون المعنى، كقولك سميت ولدى عبد الله، إذا وضعت عليه هذا الاسم، فجوابه أنا لا نسلم أنهم أرادوا التسمية، بل اعتقدوا للملائكة صفة الأنوثة، وأثبتوها لهم، ومن أجل هذا الاعتقاد صدر من جهتهم إطلاق اسم البنات في قوله تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ}⁣[الطور: ٣٩] ولم يكن ذمهم من أجل إطلاق لفظ البنات والأنوثة على الملائكة من غير اعتقاد لمعنى الأنوثة، بل كان الإنكار عليهم من أجل اعتقادهم لها فيهم، ومصداق ذلك قوله تعالى: {أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ}⁣[الزخرف: ١٩] فهذا ما أردنا تقريره في ماهية الاستعارة والحمد لله.

البحث الثاني في إيراد الأمثلة فيهما

  اعلم أن الأمثلة هي تلو الماهيات في تقرير الحقائق وبيانها، فلأجل هذا أوردناها على إثر كلامنا في الماهية ليتضح الأمر فيما نريده من ذلك، وجملة ما نورده من أمثلة الاستعارة أنواع خمسة.

  النوع الأول الاستعارات القرآنية

  اعلم أن من حق الاستعارة وحكمها الخاص أن يكون المستعار له مطوى الذكر، وكلما ازداد خفاء ازدادت الاستعارة حسنا، فإن أدخلت على الاستعارة حرف التشبيه فقلت في قولك رأيت أسدا، رأيت رجلا كالأسد، فقد وضعت تاجها، وسلبتها ديباجها.