التنبيه الخامس في اكتساب وجه التشبيه
الضرب الثالث في تشبيه المفرد بالمركب
  ولنضرب له مثالين يدلان عليه
  المثال الأول في المظهر الأداة
  وهذا كقوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ}[النور: ٣٥] فهذه الأمور المعدودة كلها أشباه لنور الله، إما على أن المراد به ذات الله تعالى، أو يراد به الرسول ÷، وكقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ}[إبراهيم: ١٨] وكقول أبى تمام يمدح قصيدة له:
  خذها مثقفة القوافي ربها ... بسوابغ النعماء غير كنود
  كالدر والمرجان ألف نظمها ... كالشذر في عنق الفتاة الرود
  وكما قال البحتري في وصف السيف:
  وكأنما سود النمال وحمرها ... دبت بأيد في قراه وأرجل
  فشبه فرند السيف بدبيب النمل، حمرها وسودها، وهذا مما يشهد له فيه بالإجادة والإنافة في البلاغة والزيادة.
  المثال الثاني في مضمر الأداة
  وهذا كقوله ÷ «العزل هو الوأد الخفي»(١) وهذا من التشبيه الذي فاق في رشاقته، وراق في جودة نظمه وبلاغته، والوأد هو ما كانت العرب تفعله من دفن البنات وهن أحياء، خوفا من العار بركوب الفاحشة، فجعل العزل كالوأد، وعبر عنه بهذه العبارة التي تغض لها العيون طرفها، ولا ينتهى الوصف إليها، فيكون ترك وصفها كوصفها، ومن هذا قول أمير المؤمنين في وصف العترة، $ «فردوهم ورد الهيم العطاش» فهذا من الكلام لا يدرك في البلاغة منتهاه، ولا يحرز بغاية غوره وأدناه. ومن غريب ما وجدته في هذا الضرب كلام لابن الأثير في وصف القلم «جدع أنفه فصار في اليد قصيرا» يشير بذلك إلى ما كان من حديث قصير، مع الزّبّاء وفتكه بها، وكيده العظيم لها «وأرهف
(١) الحديث صحيح رواه مسلم، وانظر تخريجه وشرحه في شرح الطيبي لمشكاة المصابيح بتحقيقنا ح / ٣١٨٩ ط نزار الباز - مكة المكرمة.