الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

النظر الرابع في الفصل والوصل

صفحة 169 - الجزء 3

النظر الرابع في الفصل والوصل

  ولهما محل عظيم في علم المعاني، وواقعان منه في الرتبة العلياء، ونحن الآن نشير إلى زبد منهما مما يتعلق بغرضنا، أما الفصل فهو في لسان علماء البيان، عبارة عن ترك الواو العاطفة بين الجملتين، وربما أطلق الفصل على توسط الواو بين الجملتين، والأمر في ذلك قريب بعد الوقوف على حقيقة المعاني، لكن ما قلناه أصدق في اللقب من جهة أن الجملة الثانية منفصلة عما قبلها، فلا تحتاج إلى واصل هو الواو، فلأجل هذا كان ما ورد من غير واو بين الجملتين أحق بلقب الفصل، وهذا يرد في التنزيل على أوجه نذكرها، أولها أن تكون الجملة واردة على تقدير سؤال يقتضيه الحال، فلأجل هذا وردت هذه الجملة مجردة عن الواو، جوابا له، ومثاله قوله تعالى في قصة موسى # مع فرعون: {قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ ٢٣}⁣[الشعراء: ٢٣] فإنما جاءت من غير واو على تقدير سؤال تقديره، فما ذا قال فرعون، لما دعاه موسى إلى الله تعالى، قال فرعون: {وَما رَبُّ الْعالَمِينَ ٢٣} ثم قال موسى: {قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ٢٤}⁣[الشعراء: ٢٤] وإنما جاءت من غير واو لأنها على تقدير سؤال كأنه قال: فما قال موسى، قال: الآية، وهلم جرا إلى آخر الآيات التي أتت من غير واو كقوله تعالى: {قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَ لا تَسْتَمِعُونَ ٢٥ قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ٢٦ قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ٢٧ قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ٢٨ قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ٢٩ قالَ أَ وَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ ٣٠ قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ٣١}⁣[الشعراء: ٢٥ - ٣١] فانظر إلى مجئ القول من غير واو على جهة الاتصال بما قبله على تقدير السؤال الذي ذكرناه، وهكذا ورد في سورة الذاريات قال الله تعالى: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ}⁣[الذاريات: ٢٥] ثم قال {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَ لا تَأْكُلُونَ ٢٧}⁣[الذاريات: ٢٧] وهذا من الاختصار العجيب اللائق بالتنزيل، وثانيها: أن تكون الجملة الثانية واردة على جهة الإيضاح والبيان بالإبدال، كقوله تعالى: {بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ ٨١ قالُوا أَ إِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ٨٢}⁣[المؤمنون: ٨١ - ٨٢] فالقول الأول هو الثاني، أورد على جهة الشرح والبيان، لما دل عليه الأول وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما