القسم الأول ما يتعلق بالحقيقة على الخصوص
  كلها، على اختلاف أحوالها في اللغة، والعرف، والشرع. ولنقتصر على هذا القدر من تعريف الحقيقة ففيه كفاية.
تنبيه
  اعلم أنه قد أثر عن كثير من النّظار أمور في تعريف الحقيقة، ونحن نوردها ونظهر وجه فسادها.
  التعريف الأول يحكى عن الشيخ أبى عبد اللّه البصري
  وحاصل ما قاله في الحقيقة أنها اللفظ الذي يفيد ما وضع له. وهذا فاسد، لأمرين، أما أولا: فلأنه يدخل في حدّ الحقيقة ما ليس منه فإذا استعملنا لفظ الدابة في الذبابة، والدّودة، فقد أفاد ما وضع له في أصل اللغة، مع أنه بالنسبة إلى الوضع العرفي، مجاز، فقد دخل المجاز العرفي فيما جعله حدّا لمطلق الحقيقة. فلهذا كان باطلا. وأما ثانيا: فلأن هذا يبطل بالأعلام المرتجلة، فإنها أفادت ما وضعت له، مع أنها غير حقائق فيما دلّت عليه من معانيها. فبطل ما أورده.
  التعريف الثاني ذكره الشيخ عبد القاهر الجرجاني
  وحاصل ما قاله أن الحقيقة كل كلمة أريد بها نفس ما وقعت له في وضع واضع، وقوعا لا يستند فيه إلى غيره، كالأسد، للبهيمة المخصوصة. وهذا ليس بجيد، فإنه يقتضى خروج الحقيقة الشرعية، والعرفية، عن حدّ الحقيقة، لأنهما لم يفدا نفس ما وضعا له في وضع واضع، بل أفادا غيره، فيدخلان في حدّ المجاز كما سنقرّره فيه. فإن أراد بقوله: بوضع واضع، أىّ واضع كان، فلا اعتراض عليه. وهذا هو المظنون بمثل عبد القاهر، فإنه الماهر في لطائف الكلام وأسراره.
  التعريف الثالث ما ذكره الشيخ أبو الفتح ابن جنىّ
  وحاصل ما قاله في تعريف الحقيقة: أنها ما أقرّ في الاستعمالات على أصل وضعه في اللغة. وهذا فاسد أيضا، فإنه يلزم منه خروج الحقائق الشرعية، والعرفية عن حد الحقيقة لأنها لم تقرّ في الاستعمال على أصل وضعها اللغوىّ، مع أنها حقائق.
  التعريف الرابع ذكره ابن الأثير في كتابه المثل السائر
  فإنه قال في ماهيّة الحقيقة: إنها اللفظ الدالّ على موضوعه الأصلي. وهذا فاسد، لما فيه