الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

التقسيم الأول باعتبار ذاتها إلى حقيقية وخيالية

صفحة 120 - الجزء 1

  يحيف في قضائه وحكمه، وبدر تم يتكلم بجميع الحقائق، فيأتي بهذه الأمور عقيب ذكر الاستعارة من أجل تأكيد أمرها، وإيضاح حالها لأنك إذا قلت رأيت أسدا، فقد حصل مطلق الاستعارة اختصاصه بالشجاعة التي هي خاصة الأسد، فهذه استعارة مطلقة، ثم لما قلت على سرير ملكه، فصلته عن حكم الآساد، إذ ليس الجلوس على السرر من شأنها، وإنما جيء بذلك من أجل تأكيد المستعار له، وهذه تسمى مجردة، وهكذا إذا قلت رأيت قمرا على فرس، وبدر تم يتكلم، فقد أثبت له ضوء الأقمار وتمام البدور، ثم فصلته عما لا يليق بالأقمار والبدور بقولك على فرس، وبقولك يتكلم، لأنه ليس الكون على الخيل والكلام من صفة الأقمار والبدور بحال، ولكن الغرض هو ما ذكرناه من توكيد أمر المستعار له وتوضيح حاله، ومن النمط العالي في الاستعارة ما قاله بعض الشعراء:

  وصاعقة في كفه ينكفى بها ... على أرؤس الأعداء خمس سحائب

  فلما استعار الصاعقة لنصل السيف عقبه بقوله ينكفى بها، أي يتصل ويلابس رؤوس الأعداء خمس سحائب، أراد بها الأصابع، إيضاحا لأمر الصاعقة، وتبيانا أن ما ذكره من حكم المستعار له، وجعل قرينته دالة على ما أراده من وصف هذا الممدوح، ومن فائق الاستعارة ورائقها قول بعضهم:

  ترى الثياب من الكتان يلمحها ... نور من البدر أحيانا فيبليها

  فكيف تنكر أن تبلى معاجرها ... والبدر في كل وقت طالع فيها

  فلما استعار ذكر القمر، عقبه بذكر المعاجر وأنه يبليها بطلوعه فيها كل وقت، وذكره من أجل إيضاح أمر المستعار له، وبيان حقيقته.

  وأما الاستعارة الخيالية الوهمية،

  لهى أن تستعير لفظا دالا على حقيقة خيالية تقدرها في الوهم، ثم تردفها بذكر المستعار له، إيضاحا لها وتعريفا لحالها كما قال بعضهم:

  وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع

  وقد يجتمع التجريد والتوشيح في الاستعارة كما قال زهير:

  لدى أسد شاكي السلاح مقذف ... له لبد أظفاره لم تقلم

  فلما صوره بصورة الأسد جرد الاستعارة بأن عقبه بكونه حديد الشوكة في سلاحه، تقريرا لحال الاستعارة، وتوكيدا لأمرها، ثم وشحها بقوله: «له لبد أظفاره لم تقلم» وكما لو قال في هذا «رأيت أسدا دامى الأنياب وافر البراثن» لكان من باب الاستعارة الموشحة،