التقسيم الثالث باعتبار حكمها إلى حسنة وقبيحة
  لو أشرعوا أيمانهم من طولها ... طعنوا بها عوض القنا الخطار
  ودحوا فويق الأرض أرضا من دم ... ثم انثنوا فبنوا سماء غبار
  فهذا وما شاكله من أحسن الاستعارات وأرقها، وقال بعضهم يرثى ولدا له:
  إن تحتقر صغرا فرب مفخم ... يبدو ضئيل الشخص للنظار
  إن الكواكب في علو مكانها ... لترى صغارا وهي غير صغار
  فهكذا يكون حال الاستعارة الحسنة. فأما الاستعارة القبيحة فهي كل ما كان لا مناسبة بينها وبين المستعار له فيقبح لأجل ذلك، وهذا كقول أبى نواس:
  بح صوت المال مما ... منك يشكو ويصيح
  فهذا وأمثاله من الاستعارة الركيكة النازلة القدر في البلاغة، ومراده من هذا هو أن المال يتظلم من إهانته له بالتمزيق بالإعطاء فالمعنى جيد، والعبارة قبيحة لا تلوح فيها مخايل البلاغة بحال. ومنه قوله أيضا:
  ما لرجل المال أضحت ... تشتكي منها الكلالا
  فهذا أيضا أرك من الأول وأنزل قدرا وأسخف. وما أعجب ما قاله مسلم بن الوليد في هذا المعنى:
  تظلّم المال والأعداء من يده ... لا زال للمال والأعداء ظلاما
  فالمقصود من هذا له ولأبى نواس واحد، ولكنه فاق عليه بجودة الانتظام وحسن السبك، فكان بليغا فصيحا. ومن ضعيف الاستعارة قول أبى تمام:
  بلوناك أما كعب عرضك في العلى ... فعال وأما خد مالك أسفل
  فمراده من هذا أن عرضك مصون ومالك مبتذل، لكنه أخرجه أقبح مخرج، وساقه سياقا مستكرها، فانظر إلى قوله كعب عرضك، وخذ مالك، ما أبعده عن طرق البلاغة وأسخف قدره فيها. ومما نزل قدره قول بعضهم:
  (أيا من رمى قلبي بسهم فأولجا)
  فقوله فأولجا من الاستعارات النازلة وهكذا لو قال فأدخلا، ولو قال بدله فأقصدا أو فأنفذا، لكان له موقع حسن في الاستعارة. فهذه الأمور «إذن» تعرف بالذهن الصافي، ويحكم فيها الذوق المعتدل. وفي ما ذكرناه كفاية في التنبيه على ما أردنا من ذلك على غيره.