الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

البحث الرابع في أحكام الاستعارة

صفحة 133 - الجزء 1

  الحكم الخامس في التفرقة بين الاستعارة والتشبيه

  المحققون من علماء البيان على حصول التفرقة بينهما، وصار صائرون إلى أنه لا فرق بينهما فنقول: أما ما كان من التشبيه مظهر الأداة بالكاف، وكأن، فلا تخفى التفرقة بينه وبين الاستعارة تفرقة لفظية، وأما ما كان من التشبيه مضمر الأداة، فقد يكاد يلتبس بالاستعارة، وهل يكون لاحقا بالتشبيه، أو بالاستعارة في نحو قولك جاءني الأسد، ومررت بالأسد، وقد قدمنا ذكر الخلاف فيه وذكر المختار فيه فأغنى عن الإعادة، وعلى الجملة فلا بد من إدراك التفرقة بينهما، وحاصله أن التشبيه حكم إضافى لا يوجد إلا بين شيئين مشبه ومشبه به بخلاف الاستعارة، فإنها لا تفتقر إلى شيء من ذلك، بل تفهم مطلقة من غير إشارة إلى آخر وراء الاستعارة ولهذا فإنك تجد فرقا بين قولنا: زيد الأسد، وبين قولك جاءني الأسد، في كون الأول ينجذب إلى التشبيه لأنه يشير إليه. والثاني استعارة مع اتفاقها جميعا في إضمار أداة التشبيه، فهذا هو الذي يفتقر إلى التفرقة بينه وبين الاستعارة، فأما ما كان من الاستعارة لا يفهم منه التشبيه فلا يحتاج إلى التفرقة بحال، كقوله تعالى: {ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}⁣[الأنعام: ٩١]، وقوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ}⁣[الحاقة: ١١] {وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}⁣[الأعراف: ١٨٦].

  الحكم السادس في التفرقة بين الاستعارة المجردة، والموشحة

  اعلم أنا نريد بتجريد الاستعارة هو أن نذكر اللفظ المستعار ونقرن به ما يلائم المستعار له كقولك: رأيت أسدا يتكلم، ولقيت بحرا يضحك، وهذا يخالف الاستعارة الموشحة، فإنك تذكر اللفظ المستعار وتقرن به ما يلائم المستعار نفسه فتقول: رأيت أسدا دامى الأنياب، طويل البراثن، فحاصل التفرقة بينهما أن كل ما كان ملائما للمستعار له فهو التجريد، وما كان ملائما للمستعار نفسه من الأحكام فهو التوشيح، فبما ذكرناه تدرك التفرقة بينهما.