الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

المطلب الثالث في بيان منزلته من العلوم وموقعه منها

صفحة 15 - الجزء 1

  والتركيب، كقولنا قام زيد، فإن الإعراب لا يحصل إلا لمجموعهما. فالتركيب أقلّه من جزئين. والعقد إسناد أحدهما إلى الآخر. فلو حصل أحدهما وتعذر الآخر، لفات المعنى، ولبطل الإعراب. فصار علم الإعراب متميزا عن علم اللغة العربية بما ذكرناه، معطيا فائدة غير ما يعطيه علم اللغة لأجل الإفراد والتركيب.

  النوع الثالث: علم التصريف. وهو علم يتعلق بتصحيح أبنية الألفاظ المفردة، وإحكام قوالبها على الأقيسة المطردة في لسان العرب بالقلب، كما في قال ورمى، والحذف كما في قولنا: قل، وبع، والإبدال، كما في قولنا: ميعاد، وصراط، وغير ذلك. وهو علم جليل القدر، ولا يختص به إلّا الأذكياء من علماء الأدب، كما أثر عن أبي عثمان المازنىّ وأبى الفتح ابن جنى، وغيرهما. وقد يقع فيه معظم الزّلل لمن لم يحرز أصوله ولا يحكمها، كما وقع من نافع المقرئ في همزه شبه معايش وهو خطأ.

  قال أبو عثمان المازني: إن نافعا لم يدر ما العربية. ومعذرته في ذلك، هو أنه شبه ياء معيشة بياء سفينة. فمن ثمّ همزها لمشاكلتها لها في صورتها. وليس عذره في ذلك أنه اعتقد أن معيشة فعلية كما قاله ابن الأثير معتذرا له. لأن هذا يكون ضم جهل إلى جهل. ولما لم يختص نافع برسوخ قدم في علم الإعراب وقع في حرفه في قراءته ضعف كإسكان ياء «محياي» وجمعه بين الساكنين، ونحو إثباته لهاء السكت في حال الوصل، وقراءة «أتحاجّوني» بنون واحدة.

  النوع الرابع من علوم الأدب: علم البلاغة والفصاحة وهما يأخذان من العلوم الأدبية صفوها، ويقعان منها مكان الواسطة من عقدها، فإذا تمهدت هذه القاعدة فنقول: العلم المعبّر عنه بعلم البيان هو علم الفصاحة. وعلم المعاني هو المعبّر عنه بعلم البلاغة. وهو أجلّ العلوم الأدبية قدرا ومكانا وأعلاها منزلة وأكبرها شأنا لأنه علم يستولى على استخراج أسرار البلاغة من معادنها. وهذه توجد محاسن النّكت المودعة في أصدافها ومكامنها. وهو الغاية التي ينتهى إليها فكر النّظّار، والضّالة التي يطلبها غاصة البحار.

  وعليه التعويل في الاطّلاع على حقائق الإعجاز في القرآن، وإليه الإسناد عند المسابقة في الخصل والرهان. ومنه تستثار المعاني الدقيقة على مرّ الدّهور وتخرّم الأزمان فظهر بما ذكرناه أن موقع علم البيان من العلوم الأدبية موقع الإنسان من سواد الأحداق. ومن ثمّ لم يستقل بدركه وإحراز أسراره إلا كل سباق.