المطلب الرابع في بيان الطرق إليه
  بالمتواطئ لأنه يطلق على هذه الحقائق المتغايرة باعتبار أمر جامع يجمعها، فيطلق النور على هذه الأشياء باعتبار أمر معنوىّ، ويطلق الحىّ على النبات، والحيوان باعتبار أمر معنوىّ، وهو النموّ. ولا حاجة إلى جعله قسما على حياله لاندراجه تحت ما ذكرناه. وإليه يشير كلام الشيخ أبى حامد الغزالي.
  النوع الثاني: علم العربية، وهو من جملة موضوعات هذا العلم العظيمة التي لا سبيل إليه إلا بإحرازها، وهو منه بمنزلة أبى جاد للخط العربىّ. وبه يحصل قوام أمره وإحكام أصوله. نعم ليس مختصا بهذا العلم وحده، بل ينبغي معرفته لكلّ من ينطق باللسان العربىّ فإنه لا غنى له عن معرفته، ليأمن من زلل اللحن وسقطه، ويستفيد بمعرفته الاطّلاع على المعاني المفيدة والجمل المركبة من الفاعل مع فعله، والمبتدأ مع خبره إلى غير ذلك من أفانين الكلام وأنواعه. وكل ذلك لا يحصل إلا بالوقوف على حقائق الإعراب ولوازمه. فلهذا لم يكن بدّ من تحصيلها وإتقانها.
  النوع الثالث: علم التصريف
  فإنه علم جليل القدر غزير الفوائد. وهو يختص بتصحيح أبنية الألفاظ المفردة ومعرفة صحيحها ومعتلّها وزائدها وأصيلها ومبدلها من أصيلها إلى غير ذلك من أنواع التصريف على قوانين جارية على أقيسة كلام العرب وأساليبها. ومن لم يحرزه فإنه لا يأمن الوقوع في محذور الكلام ومكروهه، فإنه لا فرق في اللحن بين تغيير الكلمة عن إعرابها الجاري لها، وبين تغيير بناء الكلمة وتصريفها على خلاف ما يقتضيه قياسها. فلا فرق في ألسنة النحاة بين من خالف في تغيير الإعراب في نصب الفاعل ورفع المفعول وبين من ترك الواو والياء من غير إعلال مع وجود سبب الإعلال فيهما، ومن أخلّ به وقع في مكروه التصريف، كما أن كل من أخلّ بإتقان الإعراب وقع في معرّة اللحن ومكروهه. فهذه العلوم الثلاثة لا بدّ من إحرازها لمن أراد الاطّلاع على علوم البيان ويجرى مجرى الآلة له في الوصول إليها.
خيال وتنبيه
  فإن قال قائل: كيف توجبون على كل من أراد إحراز علوم البيان علم اللغة. ونحن نجد في الأوضاع اللغوية ما لا يفهم المراد من ظاهر لفظه كما في الألفاظ المشتركة فإن حقيقة وضعها ينافي البيان لما فيها من الإبهام إلا بقرينة من وراء لفظها وتوجبون العلم