الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

التنبيه الخامس في اكتساب وجه التشبيه

صفحة 193 - الجزء 1

  التعريف الأول ذكره ابن الأثير،

  وحاصل ما قاله: أنه اللفظ الدال على الشئ من طريق المفهوم، لا بالوضع الحقيقي، ولا المجازى. فقوله اللفظ الدال على الشئ، عام في جميع ما يدل عليه اللفظ من جهة النص والظاهر والحقيقة والمجاز، وقوله من طريق المفهوم، يخرج جميع ما ذكرناه، فإن دلالتها من جهة اللفظ، لا من جهة مفهومها، وقوله لا بالوضع الحقيقي ولا المجازى، تفصيل لما تقدم وبيان له وإيضاح، وليس يحترز به عن شيء آخر، ولو حذفه لجاز، هذا ملخص كلامه مع فضل بيان منا له في القيود، ولم يذكره في كتابه. وهذا التعريف فاسد لأمرين، أما أولا فلأن المفهوم منقسم إلى ما يكون مفهوم الموافقة، وإلى مفهوم المخالفة، فأما مفهوم الموافقة، فهو كقوله ÷: «لا تضحوا بالعوراء»⁣(⁣١) فإنه يدخل فيه العمياء «ولا تضحوا بالعرجاء» فإنه يدخل فيه مقطوعة الرجلين من جهة مفهومه، وأما مفهوم المخالفة فكقوله #: «لا تبيعوا الطعام بالطعام، إلا مثلا بمثل» فما لا يكون مطعوما لا يجرى فيه الربا على زعم الشافعي، فدل على أن ما عدا المطعوم بخلافه، وكل واحد من هذين المفهومين مأخوذ من جهة اللغة، ودالة عليها الألفاظ، والتعريض ليس مفهوما من جهة اللفظ كما قرر عليه كلامه، فهذه مناقضة ظاهرة، لأن قوله من طريق المفهوم، يدل على كونه لغويا، وتصريحه بأن التعريض يفهم من قصد المتكلم لا من طريق اللفظ، ينقض ذلك، وأما ثانيا فلأن قوله: «لا بالوضع الحقيقي ولا المجازى» ففضلة لا يحتاج إليها، لأن ما قبله من القيود قد أغنى عنه، ومن حق ما يكون حدا أن لا يكون فضلة، فإن زعم زاعم وقال: إن ابن الأثير غرضه بقوله هو اللفظ الدال على الشئ من طريق المفهوم، ليخرج به النص والظاهر، فإن دلالتهما من جهة المنطوق، لا من جهة المفهوم. وقوله: «لا بالوضع الحقيقي ولا بالوضع المجازى» ليخرج منه الاستعارة، فإن دلالتها من جهة المجاز على مدلولها، ويخرج منه الكناية، فإن دلالتها على ما تدل عليه من طريق الحقيقة والمجاز جميعا، بخلاف التعريض فإنه خارج عن هذه الدلالات الحقيقية والمجازية جميعا، فجوابه هو أن دلالة التعريض إنما هي من جهة القرينة، وليست من جهة المفهوم كما زعمه ابن الأثير، لأن دلالة المفهوم لغوية، ولا هي حاصلة من جهة المنظوم


(١) الحديث صحيح بمعناه. انظر شرح الطيب للمشكاة ١٤٦٣ - ١٤٦٥ بتحقيقنا ط نزار الباز.