الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

التنبيه الخامس في اكتساب وجه التشبيه

صفحة 197 - الجزء 1

  الضرب الثاني ما ورد من السنة النبوية، فمن ذلك أنه خرج يوما وهو محتضن لأحد الحسنين فقال لهما: «إنكما لمن ريحان الله، وإن آخر وطأة وطئها الله بوجّ» فهذا الكلام وأمثاله أورده على جهة التعريض لغيره، وأقامه مقامه. فوضع قوله: «إنكما من ريحان الله» موضع الرحمة بهما والشفقة والحنو والعطف عليهما، وإعظام المنزلة عنده لهما، فعرض به عن ذلك، ثم وضع قوله «وإن آخر وطأة وطئها الله بوج»، موضع النعي لنفسه والتعزية لها بكونه قد قربت وفاته، ووجه التعريض، هو أن وجا موضع بالطائف، وأراد به غزاة حنين، لأنها آخر غزوة وقع فيها القتال مع المشركين، فأما غزوة تبوك، والطائف، اللتان كانتا بعدها فلم يكن فيهما قتال، وإنما كان خروج من غير ملاقاة للحرب، فكل هذا الكلام تعريض بقرب وفاته وتأسف على مفارقة أولاده، لأن غزوة حنين كانت في شوال سنة ثمان، ووفاته كانت في ربيع الأول من سنة إحدى عشرة فكأنه قال: إنكما لمن رزق الله الذي يستراح به، وتقر به النفس، وإني مفارقكم عن قريب، فانظر إلى هذا التعريض، ما أحسن مغزاه وأدق في البلاغة مجراه، وكم في السنة النبوية من هذه اللطائف العجيبة، والأسرار الدقيقة والرموز الخفية.

  الضرب الثالث كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه، قال في كلام يخاطب به زياد ابن أبيه، وكان عاملا لعامله عبد الله بن عباس على فارس وكرمان، وكور الأهواز: «وإني أقسم بالله قسما صادقا لئن بلغني أنك خنت من فئ المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا لأشدن عليك شدة، تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر، ضئيل الأمر، والسلام». فهذا كما يحتمل أن يكون على ظاهره فإنه يحتمل أيضا أن يكون قد أخرجه مخرج التعريض فيما كان منه من الانتساب إلى أبي سفيان وتهديدا له على ذلك، فأوقعه موقعه، وقوله #: «أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم منى بطرق الأرض قبل أن نشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها، وتذهب بأحلام قومها» فكما يمكن حمل هذا على ظاهره وهو السابق إلى الأفهام منه، يمكن أيضا أن يكون أورده مورد التعريض تهكما بأصحابه، وانتقاصا