الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

التنبيه الخامس في اكتساب وجه التشبيه

صفحة 199 - الجزء 1

  والاستغراب من ابن الأثير، حيث أورد في كتابه المثل طرفا وعجائب وحكايات في المنظوم والمنثور عن أهل البلاغة، وحكى عن نفسه ما كان منه من التقليدات والكتب، والرسائل والتهاني والتعازى حتى ملأ كتابه مما كان منه من ذلك، وأعجب بحاله وأمره فيما هنالك غاية الإعجاب، وما درى أن الإعجاب ضد الصواب، وأغفل على كثرة ما نقل كلام أمير المؤمنين في الخطب والرسائل، والكتب الوجيزة، ومعاني التوحيد التي أشار إليها، ودقائق البلاغة، وأسرار الحكم في طويل الكلام وقصيره، مع أنه لا غاية في البلاغة إلا وقد بلغها، ولا نهاية إلا وقد تجاوزها، ولقد كان الاقتصار على كلام أمير المؤمنين فيه شفاء كل علة، وبلال كل غلة، وما أحقه بكلام أبى الطيب المتنبي:

  خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل

الضرب الخامس فيما ورد من التعريضات الشعرية

  فمن ذلك ما قاله الشميذر الحارثي:

  بنى عمنا لا تذكروا الشعر بعد ما ... دفنتم بصحراء الغمير القوافيا

  فليس قصده مما قال الأبيات الشعرية، ولكنه قصد تعريفهم بما كان جرى في ذلك الموضع من الظهور عليهم والقتل لأشرافهم، فذكر الشعر، وجعله تعريضا، أي لا تفخروا بعد تلك الوقعة، ومن ذلك ما قاله امرؤ القيس:

  وصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا ... ورضت فذلت صعبة أىّ إذلال

  فهذا جعله للتعريض عن الجماع، وقد عده بعض علماء البيان كالفاغى والعسكري، من الكناية، وهو محتمل لهما جميعا، ولأجل تقاربهما تكاد أن تختلط أمثلة أحدهما بالآخر كما سنذكر التفرقة بينهما بمعونة الله تعالى، ومن التعريض الرائق ما قاله نصر بن سيار في شحذ عزائم بنى أمية بإدراك الثأر، والانتقام لمن أرادهم:

  أرى خلل الرماد وميض جمر ... ويوشك أن يكون له ضرام

  فإن النار بالزندين تورى ... وإن الحرب أولها كلام

  أقول من التعجب ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم نيام

  فإن هبوا فذاك بقاء ملك ... وإن رقدوا فإني لا ألام