الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

البحث الثاني في بيان حكمها

صفحة 219 - الجزء 1

  فيها، وهكذا فإنك تفصل بين أن تقول: إني أرى قوما لهم منظر وليس لهم مخبر، وبين أن تتبعه بقول من قال:

  لا تعجبنك الثياب والصور ... تسعة أعشار من ترى بقر

  في خشب السرو منهم مثل ... له رواء وما له ثمر

  فإنك تجد فرقا بين الأمرين، وهكذا حال غيره من الأمثلة والتشبيهات، فإذا تمهدت هذه القاعدة فاعلم أن الكناية لها في البلاغة موقع عظيم فإنها تفيد الألفاظ جمالا، وتكسب المعاني ديباجة وكمالا وتحرك النفوس إلى عملها، وتدعو القلوب إلى فهمها، فإن أوقعتها في المدح كانت أرفع وأحسن، وفي نفس الممدوح أوقع وأمكن، وإن صدرتها للذم كانت آلم وأوجع وإلى ذكر فضائح المذموم أسرع وأخضع، وإن أدخلتها من أجل الحجاج كان البرهان لها أوضح وأنور، والسلطان بها أقدر وأقهر، والإقحام بها أشهر، والتسلط أعظم وأبهر، وإن وقعت في الافتخار كان ضياؤه أسطع، ومناره أعلى وأرفع، وإن كانت موجهة للاعتذار فهي إلى سل سخائم القلوب أعجل وأقرب، وبوحر الصدور وفل غرب غضبها أذهب، وإن صدرت للاتعاظ كانت في المبالغة في النصيحة أنجع، ولمرض القلوب أشفى وأنقع، وإن أردت بها جانب الإعتاب والرضا، كانت بطيب الصحبة ولين العريكة أظفر، وعلى الوفاء بلوازم الألفة أوفر، فهي كما ترى واقعة من البلاغة في أعلى المراتب، وحائزة من الفصاحة أعظم المناقب وقد نجز غرضنا فيها بحمد الله تعالى.

  بحمده تعالى قد تم الجزء الأول من كتاب الطراز في علوم حقائق الإعجاز.

  ويليه الجزء الثاني وأوله القاعدة الرابعة من قواعد المجاز