الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

التقرير الأول في [النكرة]، ولها أحكام:

صفحة 14 - الجزء 2

  لا يفتقر إلى دلالة، ولا يحتاج إلا علامة وأمارة، وعلى هذا حمل بيت الخنساء⁣(⁣١):

  إذا قبح البكاء على قتيل ... رأيت بكاءك الحسن الجميلا

  أرادت أن تقرره في جنس الحسن الباهر الذي لا ينكره من أخبر به وعلى هذا قرر قوله:

  أسود إذا ما أبدت الحرب نابها ... وفي سائر الدهر الغيوث المواطر

  ورابعها أن تقصد به مقصد التعريف بحقيقة عقلها المخاطب في ذهنه لا في الخارج، أو توهمت أنه لم يعرفها فتقول له: تصور كذا، فإذا تصورته في نفسك فتأمل فلانا، فإنه يحصل ما تصورته على الكمال، ويأتيك به تاما، ومثاله قولنا: هو الحامي لكل حقيقة، وهو المرتجى لكل ملمة، وهو الدافع لكل كريهة، كأنك قلت: هل تعقل الحامي، والمرتجى وتسمع بهما، فإن كنت تعقل ذلك وتعرفه حقيقة معرفته، فاعلم أنه فلان، فإني خبرته وجربته فوجدته على هذه الصفة، فاشدد يديك به، فإنه ضالتك التي تنشدها، وبغيتك التي تقصدها، ومما يؤيد هذا المعنى ويقويه قول ابن الرومي:

  هو الرجل المشروك في جلّ ماله ... ولكنّه بالحمد والمجد مرتدى

  كأنه قال: فكر في رجل لا يتميز عن غيره في ماله في الأخذ والتصرف، فإذا فهمت ذلك وعقلته وصورته في نفسك، فاعلم أنه فلان، وكقول بعضهم:

  أخوك الّذى إن تدعه لملمّة ... يجبك وإن تغضب إلى السيف يغضب

  فهذه المعاني متغايرة كما ترى، تحصل لأجل تعريف الخبر باللام كما فصّلناه هاهنا.

تنبيه

  إذا عرفت ما قدمناه من صحة دخول اللام على الخبر كما صح دخولها على المبتدأ، وأظهرنا معانيها في النوعين فلا يغررك ما يقرع سمعك من كلام النحاة، من أن المبتدأ، والخبر إذا كانا معرفتين فأيهما قدمت فهو المبتدأ، فهذه قاعدة قد زيفناها وقررنا فسادها في الكتب الإعرابية، فإن حقيقة الخبر هو المسند به وهو غير خارج عن هذه الماهية بتقديم ولا تأخير، ولا تعريف ولا تنكير، وأيضا فإن الخبر عبارة عن الصفة، والمبتدأ في نفسه عبارة عن الذات، ولا شك أن الذات بالابتدائية والصفة بالخبرية أحق من العكس، فإذا بان لك مما ذكرناه بطلان كلامهم، وأن المبتدأ هو المسند إليه بكل حال، والخبر مسند به بكل حال فلا يغير هذه الماهية عروض عارض.


(١) انظر الإيضاح / ١٠٥ بتحقيقنا ط مؤسسة المختار. القاهرة.