الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

الباب الثاني في ذكر الدلائل الإفرادية وبيان حقائقها

صفحة 18 - الجزء 2

  ومتى نجد يوما فساد عشيرة ... نصلح وإن نر صالحا لا نفسد

  فلما أراد المبالغة في الصفح وإيثاره، صدّره بالجملة الاسمية مؤكدا باللام من أجل ذلك، وقال آخر⁣(⁣١):

  نحن في المشتاة ندعو الجفلى ... لا ترى الآدب منّا ينتقر

  فصدّره بالجملة الاسمية عوضا عن الفعلية إرادة للتأكيد، والجفلى هي الدعوة العامة، وهي تخالف «النّقرى» لأنها دعوة خاصة من جهة أنه ينقّر في دعوته، أي يدعو واحدا خاصّا من بين أقوام.

  الطرف الثاني في توجيه الخطاب ب [الجملة الفعلية]

  اعلم أن الإخبار في قولنا: قام زيد، مثله في نحو قولك: زيد قام، خلا أن قولنا: زيد قام، فيه نوع اهتمام وإيضاح للجملة الاسمية كما أوضحنا في نظائره، وهكذا قولنا: زيد قائم، مثل قولنا: إن زيدا قائم، خلا أن الثاني مختص بمزيد قوة وتأكيد لم يكن في الأول، ولو جئت باللام في خبر إن، لكان أعظم تأكيدا، فقولنا: زيد منطلق، إخبار لمن يجهل انطلاقه وقولنا: منطلق زيد، إخبار لمن يعرف زيدا، وينكر انطلاقه، فتقديمه اهتمام بالتعريف بانطلاقه، وقولنا: إن زيدا منطلق، رد لمقالة من يقول: ما زيد منطلقا، وقولنا: إن زيدا لمنطلق، رد لقول من قال: ما زيد بمنطلق، فأنت إذا جئت بالجملة الفعلية فقلت قام زيد، فليس فيه إلا الإخبار بمطلق القيام مقرونا بالزمان الماضي من غير أن يكون هناك مبالغة وتوكيد كقوله تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ}⁣[النمل: ١٧] وقوله تعالى: {نَزَّلَ الْكِتابَ}⁣[الأعراف: ١٩٦] فالغرض الإخبار بهاتين الجملتين بالفعل الماضي من غير إشعار بمبالغة هناك، ولما أراد المبالغة في الجملة الأولى قال في آخرها: {فَهُمْ يُوزَعُونَ}⁣[النمل: ١٧] وقال في الثانية: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}⁣[الأعراف: ١٩٦] فإتيانه بالجملتين الاسميتين من آخر الجملتين السابقتين المصدرتين بالفعلين دلالة على المبالغة والتأكيد في المقصود الذي سقناه من أجله، وهو التولي للصالحين والإيزاع.


(١) البيت لطرفة بن العبد في ديوانه / ٥٥، وأدب الكاتب / ١٦٣، وإصلاح المنطق / ٣٨١.