الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

البحث الأول فيما يتعلق ب [الأحرف العاطفة]

صفحة 28 - الجزء 2

التنبيه الثاني

  من حق المحدّث عنه في الجملة الثانية، أن يكون له تعلق بالمحدث عنه في الجملة الأولى، حتى يكونا كالنظيرين والشريكين، ولا يجوز أن يكون أجنبيا عنه بحيث لا علقة بينهما ولا مشابهة بحال، ولهذا حسن: زيد قائم، وعمرو قاعد، وزيد أخوك، وبشر صاحبك، لما كان عمرو، وبشر، لهما تعلق بزيد ونظيران له، وقبح قولنا: خرجت من دارى، وأحسن ما قيل من الشعر كذا، لما كان الثاني لا تعلق له بالأول، ولا مناسبة بينه، وبينه ولهذا عيب على أبى تمام قوله⁣(⁣١):

  لا والذي هو عالم أن النوى ... صبر وأن أبا الحسين كريم

  إذ لا ملابسة بين كرم أبى الحسين وبين مرارة النوى، ولا تعلق لأحدهما بالآخر، وكما وجب أن يكون بين المحدث عنه في الجملتين هذه الملاءمة والمشابهة، فهكذا أيضا يجب في الخبر الثاني أن يكون مشابها للخبر الأول أو مناقضا له، ولهذا حسن قولنا: زيد خطيب، وعمرو شاعر، وبكر فقيه، وخالد محدث، وزيد قائم، وعمرو قاعد، وقبح قولنا: زيد طويل القامة، وعمرو شاعر، إذ لا تعلق بين طول القامة، وبين كونه شاعرا، وهكذا زيد كاتب، وعمرو باع داره، لأجل ما بينهما من المنافرة.

إشارة

  إذا أوجبتم ما تقدم من وجوب الملاءمة بين المعطوف والمعطوف عليه فكيف يقال في قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها}⁣[البقرة: ١٨٩] وأي ارتباط بين أحكام الأهلة وبين حكم إتيان البيوت من ظهورها؟ قلنا فيه أجوبة ثلاثة؛ أحدها أنه لما ذكر أنها مواقيت للحج، وكان من عادتهم ذلك كما نقل في الحديث أن ناسا كانوا إذا أحرموا لم يدخل أحدهم بيتا ولا خيمة ولا خباء من باب، بل إن كان من أهل المدر نقب نقبا من ظاهر البيت يدخل منه، وإن كان


(١) انظر المصباح / ٦٥، والإيضاح / ١٤٩ بتحقيقنا، وهو في ديوانه / ٣/ ٢٩٠، دلائل الإعجاز / ١٧٣، وأبو الحسين:

محمد بن الهيثم ممدوح الشاعر، والبيت كله جواب القسم في بيت الشاهد، وانظر نهاية الإيجاز / ٣٢٣، عقود الجمان / ١٧٣.