الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

الباب الثاني في ذكر الدلائل الإفرادية وبيان حقائقها

صفحة 57 - الجزء 2

  أربع جمل، فقال: {وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ ٢٣ فَسَقى لَهُما}⁣[القصص: ٢٢ - ٢٣] التقدير يسقون مواشيهم، وامرأتين تذودان أغنامهما فسقى لهما مواشيهما، بعد قولهما لا نسقى مواشينا، ومن هذا قوله تعالى:

  {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ}⁣[البقرة: ٢٠] اى لو شاء أن يذهب لأذهب، وقوله: {وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ}⁣[يونس: ٩٩] وغير ذلك من آيات المشيئة والإرادة، فإن حذف المفاعيل فيها كثير الجريان والورود، ومن هذا قول أبى عبادة البحتري⁣(⁣١):

  ولو شئت لم تفسد سماحة حاتم ... كرما ولم تهدم مآثر خالد

  ولا تكاد ترد مفاعيل المشيئة إلّا في الأشياء المستغربة المتعجّب من حالها كقوله تعالى:

  {لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً}⁣[الأنبياء: ١٧] وقوله تعالى {لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ}⁣[الزمر: ٤].

  النوع الثاني حذف الإضافة،

  ووروده يكون على أوجه ثلاثة،

  أولها [حذف المضاف] نفسه،

  وهذا كقوله تعالى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ}⁣[يوسف: ٨٢] أي أهل القرية وأهل العير، وقوله تعالى: {وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى}⁣[البقرة: ١٨٩] أي بر من اتقى وقوله تعالى:

  {حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ}⁣[الأنبياء: ٩٦] والمراد سدّهما، ومن أبيات الحماسة ما قاله بعض الشعراء⁣(⁣٢):

  إذا لاقيت قومي فاسأليهم ... كفى قوما لصاحبهم خبيرا

  هل اعفو عن أصول الحق فيهم ... إذا عثروا وأقتطع الصدورا

  أراد أنه يقتطع أو غار الصدور وضغائنها وأحقادها، أي يزيلها بعفوه وصفحه وكرمه، وحذف المضاف كثير الدّور والجرى في كلام الله تعالى وكلام الفصحاء، وحكى عن أبي


(١) البيت للبحترى، السماحة: الكرم، حاتم: هو الطائي المشهور، خالد: هو ابن أصمع النبهاني الذي نزل عليه امرؤ القيس، وانظر البيت في الإيضاح ١١٢ بتحقيقنا.

(٢) البيتان لجثامة الليثي انظر: لسان العرب (كفى، مع تغيير في صدر وعجز البيت الأول، والبيت الأول قد ذكر في سر صناعة الإعراب ١/ ٣٦ بلا نسبة، ومجالس ثعلب ١/ ٣٢٨.