الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

القسم الثالث في بيان الإيجاز من غير حذف فيه

صفحة 69 - الجزء 2

  ضبطها، فأين هذه عما أثر عن العرب من قولهم «القتل أنفى للقتل». وقد تميزت الآية عنه بوجوه ثلاثة، أما أولا فلأن قوله: {الْقِصاصِ حَياةٌ} لفظتان، وما نقل عنهم فيه أربع كلمات. وأما ثانيا فالتكرير فيما قالوه، وليس في الآية تكرير، وأما ثالثا فلأنه ليس كل قتل نافيا للقتل، وإنما يكون نافيا إذا كان على جهة القصاص، وكم في القرآن من هذا القبيل.

  «المثال الثاني» ما ورد عن الرسول ÷ وهذا كقوله # «الخراج بالضّمان».

  والسبب في ذلك هو أن رجلا اشترى من غيره عبدا فأقام عنده مدة ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى الرسول ÷ فقال: يا رسول الله، إني أستغل عبدي. فقال: «الخراج بالضمان» ومعنى هذا أن غلّته تكون للمشترى، لأنه لو تلف قبل الرد كان تالفا من ضمانه، فلهذا كان ضمانه عليه، ومن هذا قوله ÷: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» ومعنى قوله: «لا ضرر» أي لا ينبغي لأحد أن يضر غيره، ومعنى قوله: «لا ضرار في الإسلام» أنه لا ينبغي لك أن تضر أحدا، ولا ينبغي له أن يضرك. ومن هذا قوله ÷:

  «المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء، وعوّدوا كلّ جسم ما اعتاد» فهذه الألفاظ الثلاثة قد جمعت من المعاني الحكمية، والأسرار الطيبة، ما لا يحيط بوصفه إلا الله. ومن هذا قوله # «الطمع فقر واليأس غنى» فهذا من جوامع الكلم التي خصّ بها.

  «المثال الثالث» ما ورد من كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه من الكلام القصير كقوله # من عرف نفسه فقد عرف قدره، من فكّر في العواقب لم يشجع، الناس أعداء لما جهلوا، من استقبل وجوه الآراء عرف وجوه الخطاء، من أحدّ سنان الغضب لله قوى على قتل أسد الباطل، وقوله: إذا هبت أمرا فقع فيه، فإنّ وقوعك فيه أهون من توقّيه، آلة الرّئاسة سعة الصدر، الطمع رق مؤبّد، ثمرة التفريط الندامة، وقال # أغض على القذى، وإلّا لم ترض أبدا، وقال: لكل مقبل إدبار، وما أدبر كان كأن لم يكن، لا يعدو من الصبور الظّفر وإن طال به الزمان، إلى غير ذلك من الكلمات القصيرة التي قصرت أطرافها وفاتت العد في معانيها.

  «المثال الرابع» ما أثر عن أهل البلاغة قال بعض الأعراب: اللهم هب لي حقك، وأرض عنى خلقك، فقال الرسول ÷: هذا هو البلاغة، وكما أثر عن الحريري في مقاماته استعمال المداراة، توجب المصافاة، وقوله ملك الخلائق شين الخلائق، التزام الحزامة ذمام السلامة، تطلب المثالب من المعايب، عند الأوجال، يتفاصل الرجال،