الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

القسم الأول ما يكون متعلقا بالجملة الواحدة،

صفحة 125 - الجزء 2

  حكاها بصفة التطويل العرىّ عن الفوائد بأن يقول صدر الكتاب يوم كذا من مكان كذا في شهر كذا والتقى عسكرنا وعسكره، وتزاحف الجمعان، وتطاعن الفريقان، وحمى القتال واشتد النزال مع تفاصيل كثيرة ثم قتل عيسى بن ماهان واحتز رأسه ونزع الخاتم من يده، وترك جسده طعاما للطيور والسباع والذئاب وغير ذلك من تفاصيل الواقعة، فهذا يقال له التطويل من جهة أن تفاصيل الوقعة خالية عن الفوائد الغزيرة التي يحتاج إلى مثلها فهذه هي أمثلة الأمور الثلاثة قد فصلناها ليحصل التمييز بينها.

البحث الثاني في ذكر تقسيم الإطناب

  واعلم أن الإطناب قد يكون واقعا في الجملة الواحدة، وقد يرد في الجمل المتعددة، فهذان القسمان نذكر ما يتعلق بكل واحد منهما بمعونة الله تعالى:

القسم الأول ما يكون متعلقا بالجملة الواحدة،

  وتارة يرد على جهة الحقيقة، وتارة يرد على جهة المجاز، فهذان وجهان:

الوجه الأول ما يرد من الإطناب على جهة الحقيقة

  وهذا كقولنا: رأيته بعيني، وقبضته بيدي، ووطئته بقدمى وذقته بلساني إلى غير ذلك من تعليق هذه الأفعال بما ذكرناه من الأدوات وقد يظن الظان أن التعليق بهذه الآلات إنما هو لغو لا حاجة إليه، فإن تلك الأفعال لا تفعل إلا بها، وليس الأمر كما ظن بل هذا إنما يقال في كل شيء يعظم مناله ويعز الوصول إليه، فيؤتى بذكر هذه الأدوات على جهة الإطناب دلالة على نيله، وأن حصوله غير متعذر، وعلى هذا ورد قوله تعالى: {ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ}⁣[الأحزاب: ٤] وقوله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ}⁣[النور: ١٥] لأن هذه الآيات إنما وردت في شأن الإفك وفي جعل الزوجات أمهات، وفي جعل الأدعياء أبناء، فأعظم الله الرد والإنكار في ذلك بقوله: {وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ}⁣[النور: ١٥] على أهل الإفك في الرمي بفاحشة الزنا لمن هي ظاهرة والعفاف والستر وبقوله: {ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ}⁣[الأحزاب: ٤] على من قال لزوجته هي عليه كظهر أمه، أو لمن قال لمملوكه يا بنى فبالغ في الرد بهذه المقالة والنكير