الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

القسم الثاني في بيان ما يرد في الجمل المتعددة،

صفحة 162 - الجزء 2

  فما هذا حاله في المديح، من التفريط والإهمال والتضييع الذي لا يمدح بمثله بحال، لما فيه من مقابلة الممدوح بأقبح الأسماء، وأسوإ الصفات وكقوله أيضا يمدح رجلا:

  ما زال يهذى بالمكارم والعلا ... حتى ظننا أنه محموم⁣(⁣١)

  وكقوله أيضا:

  أنت دلو وذو السماح أبو مو ... سى قليب وأنت دلو القليب

  فما هذا حاله من المدائح التي نزلت في الركة وكانت معدودة في التفريط البالغ، ومن أمثلة التفريط ما قاله البحتري يمتدح الفتح بن خاقان في قصيدته المشهورة ويذكر فيها لقاءه للأسد وقتله له:

  شهدت لقد أنصفته حين تبترى ... له مصلتا عضبا من البيض مقضبا

  فلم أر ضرغامين أصدق منكما ... عركا إذا الهيّابة النّكس كذّبا⁣(⁣٢)

  فقوله: إذا الهيابة النكس كذبا. ليس فيه مدح، وقد فرط في إيراده مدحا لهذا الرجل، وكان الأخلق بالمدح أن يقول، إذا البطل كذب، لأنه الأمدح في إقدام المقدم في الموضع الذي يفر منه الجبان، إذ لا فضل في مثل هذا، وإنما الفضل فيما قاله أبو تمام:

  فتى كلما ارتاد الشجاع من الردى ... مفرا غداة المأزق ارتاد مصرعا

  ومن التفريط ما قاله بعض الشعراء:

  وتلحقه عند المكارم هزة ... كما انتقض المحموم من أم ملدم

  فهذه الأمثلة كلها من المدائح التي وقع التفريط فيها ولا يجوز استعمالها، فالمعنى فيها وإن كان حسنا جيدا، ولكنه لأجل العبارة كان مستقبحا مسترذلا، تعافه الطباع، وتمجه الأسماع، وليس من التفريط شيء في كتاب الله تعالى:، ولا في السنة النبوية، ولا ورد فيه شيء من كلام أمير المؤمنين، حراسة من الله تعالى: لها وكلاءة منه عنها، فأين ما ذكره هذا الشاعر مما قاله ابن الرومي يمدح أقواما:

  ذهب الذين تهزهم مدّاحهم ... هزّ الكماة عوالي المرّان

  كانوا إذا مدحوا رأوا ما فيهم ... فالأريحية منهم بمكان


(١) في ديوانه ص ٢٨٣.

(٢) البيت الأخير في المصباح ص ٢٥٧، ديوان البحتري ص ٢٠٠، ٢٠١. المثل السائر: ح ٢/ ٣٢٢.