الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

القسم الثاني في بيان ما يرد في الجمل المتعددة،

صفحة 164 - الجزء 2

  الاستعارات الرائقة، فإن كان الإفراط كله يكون قبيحا فما هذا حاله مما ورد في القرآن ليس إفراطا وإن كان الإفراط منقسما إلى حسن وقبيح، فهذا الذي ورد في القرآن من أحسنه وأعجبه، ولنورد أمثلة الإفراط من المنظوم قال عنترة:

  وأنا المنية في المواطن كلّها ... والطعن منى سائق الآجال

  ومن ذلك ما قاله بشار:

  إذا ما غضبنا غضبة مضريّة ... هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما⁣(⁣١)

  ومن ذلك ما قاله النابغة الذبياني:

  إذا ارتعثت خاف الجبان ارتعاثها ... ومن يتعلّق حيث علق يفرق⁣(⁣٢)

  يصف امرأة بطول عنقها، والرعاث جمع رعث وهو القرط المعلق بالأذن ومن ذلك ما قاله أبو نواس يمدح رجلا قال:

  وأخفت أهل الشرك حتى إنه ... لتخافك النّطف التي لم تخلق⁣(⁣٣)

  ويحكى أن العتّابى لقى أبا نواس فقال: أما خفت الله تعالى: واستحييت منه حيث تقول «وأخفت أهل الشرك» البيت فقال له أبو نواس وأنت ما راقبت الله حيث قلت:

  ما زلت في غمرات الموت مطّرحا ... يضيق عنى وسيع الرأي من حيلى

  فلم تزل دائبا تسعى بلطفك لي ... حتى اختلست حياتي من يدي أجلى

  فقال له العتابي قد علم الله وعلمت أن هذا ليس من مثل قولك، ولكنك تعدّ لكل ناصح جوابا، وقد أورد أبو نواس هذا المعنى في قالب آخر فقال:

  كثرت منادمة الدماء سيوفه ... فلقلّ ما تحتازها الأجفان

  حتى الذي في الرّحم لم يك صورة ... لفؤاده من خوفه خفقان

  فانظر إلى هذه المعاني ما أكذبها وما ألطفها وأرقها وأرشقها، وكل من خرقت قرطاس سمعه فإنه يعجب منها غاية الإعجاب، فأما أبو الطيب المتنبي. فإن له في الإفراط اليد


(١) البيت من الطويل، وهو للغنوى في لسان العرب (حجب)، وللقحيف بن عمير العقيلي في لسان العرب (غشم)، وتاج العروس (حجب)، ولبشار بن برد في ديوانه ٤/ ١٦٣، العمدة ص ٢٥٣، ٨٠٠.

(٢) البيت من الطويل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٨١، وكتاب الجيم ٢/ ٣١.

(٣) ديوان أبى نواس ص ٤٥٢، الإيضاح ص ٣٢٠، المصباح ص ٢٢٩.