الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

القسم الثاني من [التجنيس ويقال له الناقص]، والمشبه،

صفحة 192 - الجزء 2

  قد

  يجمع المال غير آكله ... ويأكل المال غير من جمعه

  ويقطع الثوب غير لا بسه ... ويلبس الثوب غير من قطعه

  ومن ذلك ما قاله الشريف المرتضى يذم الزمان وأهله:

  أسفّ بمن يطير إلى المعالي ... وطار بمن يسفّ إلى الدنايا

  وكقول الآخر:

  إن الليالي للأنام مناهل ... تطوى وتنشر بينها الأعمار

  فقصارهن مع الهموم طويلة ... وطوالهنّ مع السّرور قصار⁣(⁣١)

  ومن هذا قوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}⁣[الروم: ١٩] وقوله ÷: جار الدار أحق بدار الجار، ومن ذلك ما قاله أمير المؤمنين كرم الله وجهه من كتاب كتبه إلى عبد الله بن العباس أما بعد فإن الإنسان يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فلا تكن بما نلت من دنياك فرحا، ولا بما فاتك منها ترحا، ولا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة بطول أمل، قال ابن عباس: ما انتفعت بكلام بعد كلام الله تعالى مثل هذا الكلام، وأنا أقول أيضا ما قرع مسامعى مرة بعد مرة إلا وأحدث لي موعظة، وأنشأ لي عن الغفلة يقظة، وحكى عن أبي تمام أنه لما قصد عبد الله بن طاهر بخراسان وامتدحه بقصيدته المشهورة التي مطلعها «هن عوادى يوسف وصواحبه» أنكر عليه أبو سعيد الضرير وأبو العميثل هذا المطلع، وقالا له، ما لك تقول مالا تفهم فقال لم لا تفهما ما يقال، فاستحسن منه هذا الجواب على الفور، فهذا معكوس الألفاظ.

الوجه الثاني أن يكون واقعا في الأحرف

  وهذا كقوله تعالى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ}⁣[يس: ٤٠] فما هذا معكوسه ومستويه متماثلان كما ترى، وليس مما نحن به، وإنما الذي نريد ذكره هاهنا هو أن مستويه يفيد معنى، ومعكوسه يفيد معنى آخر، ومثاله ما قاله بعض الأذكياء من أهل الشعر:

  أهديت شيئا يقلّ لولا ... أحدوثة الفال والتبرّك

  كرسي تفاءلت فيه لما ... رأيت مقلوبه يسرّك


(١) البيتان في الإيضاح ص ٣١١، وهما لعتاب بن ورقاء.