الباب الرابع من فن المقاصد في ذكر أنواع علم البديع وبيان أقسامه
  بأن أبذل ويخزن، وألين ويخشن، وأذوب ويجمد، وأذكو ويخمد فهذه كلها نقائض قد جمعها، وقال بعض وزراء الفرس لما مات الأمير: حركنا بسكونه، ومن ذلك ما قاله ابن الأثير في بعض رسائله قال فيه: صدر هذا الكتاب عن قلب مأنوس بلقائه وطرف مستوحش لفراقه، ومن المنظوم ما قاله البحتري(١):
  أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر
  ومنه قول دعبل(٢):
  لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
  فانظر كيف جمع في الأول بين الضحك والبكاء، وبين الإحياء والإماتة، وفي الثاني بين الضحك والبكاء لا غير، ومنه ما قاله أبو تمام(٣):
  ما إن ترى الأحساب بيضا وضّحا ... إلا بحيث ترى المنايا سودا
  ومنه قول الفرزدق(٤):
  قبح الإله بنى كليب إنهم ... لا يغدرون ولا يفون بجار
  ومن ذلك ما قاله أبو الطيب المتنبي والطباق قليل في شعره قال(٥):
  ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دعوا ... كثير إذا شدّوا قليل إذا عدّوا
  فهذا ما يتعلق بهذا الضرب.
(١) انظر البيت في المصباح ص ١٩١ وهو منسوب لأبى صخر الهذلي، وأشار محقق المصباح إلى أنه ليس في ديوان الهذليين، والبيت في الإيضاح لأبى صخر الهذلي ص ٣٠٠ بتحقيقنا، وجواب القسم في البيت التالي لهذا البيت وهو قوله:
لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى ... أليفين منها لا يروعهما الذعر
(٢) سلم: ترخيم سلمى، وضحك المشيب: تخييلية لمكنية في المشيب، أو ضحكه استعارة تبعية لإظهار البياض إظهارا تاما، أو التبعية جارية في التخييلية مع اعتبار المكنية، فتفيد بباطنها ما بيناه، وتفيد لفظها معنى انتصار الشيب عليه وسروره بالتمكن منه، ودعبل هو ابن الخزاعي، شاعر كان يتشيع للعلويين في العهد العباسي. توفى سنة ٢٤٦ هـ، انظر البيت في الإيضاح بتحقيقنا ص ٣٠٤.
(٣) انظر البيت في الإيضاح ص ٣٠٤ بتحقيقنا.
(٤) انظر البيت في الإيضاح ص ٣٠١، ويروى: لعن الإله، والبيت التالي له:
يستيقظون إلى نهيق حمارهم ... وتنام أعينهم عن الأوتار
(٥) انظر البيت في الإيضاح ص ٣١٧، وقبله:
سأطلب حقي بالقنا ومشاريخ ... كأنهم من طول ما التمثوا مرد