الباب الرابع من فن المقاصد في ذكر أنواع علم البديع وبيان أقسامه
  عضد الخادم من الإنعام فإنه قوة لليد التي خولته، ولا يقوى تصعّد السحب إلا بكثرة غيثها الذي أنزلته، وغير خاف أن عبيد الدولة لها كالعمد من طرافها، ومركز الدائرة من أطرافها، ولا يؤيد السيف إلا بقائمة، ولا ينهض الجناح إلا بقوادمه، فهذه الفواقر كلها من باب لزوم ما لا يلزم، ومن ذلك ما قالته امرأة لقيط بن زرارة تثنى عليه بعد قتله، واستخلافها لغيره إنه خرج يوما وقد تطيب وشرب فطرد البقر وصرع منها، ثم أتاني وبه نضح دم فضمّنى ضمة، وشمّنى شمة، فليتني مت ثمّة، فهذا الكلام من الباب الذي نحن بصدده، ومن المنظوم ما قاله ابن الرومي وكان من أكثر الناس ولعا بلزوم ما لا يلزم في أشعاره(١):
  لما تؤذن الدنيا به من صروفها ... يكون بكاء الطفل ساعة يولد
  وإلّا فما يبكيه منها وإنّه ... لأوسع مما كان فيه وأرغد
  إذا أبصر الدنيا استهلّ كأنّه ... بها سوف يلقى من أذاها يهدّد
  فإلزام حركة الفتح قبل حرف الروى من باب لزوم ما لا يلزم كما مر تقريره وقال المعرى(٢):
  ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة ... وحقّ لسكّان البسيطة أن يبكوا
  يحطّمنا صرف الزمان كأننا ... زجاج ولكن لا يعاد له السّبك
  وقال في الحريريات:
  من ضامه أو ضاره دهره ... فليقصد القاضي في صعده
  سماحه أزرى بمن قبله ... وعدله أتعب من بعده
  وهذا وأمثاله من باب لزوم ما لا يلزم في الحركة والحرف جميعا كما ترى، ومن أبيات الحماسة قوله:
  إن التي زعمت فؤادك ملّها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها
  بيضاء باكرها النعيم فصاغها ... بلباقة فأدقّها وأجلّها
  حجبت تحيّتها فقلت لصاحبي ... ما كان أكثرها لنا وأقلّها
  فإذا وجدت لها وساوس سلوة ... شفع الفؤاد إلى الضمير فسلّها
(١) انظر الأبيات في التبيان في المعاني والبيان ٢/ ٣٨٧ بتحقيقنا، ويروى البيت الثالث:
إذا أبصر الدنيا استهل كأنه ... بما هو لاق من أذاها يهدد
وانظر أنوار الربيع ٢/ ١٥٢.
(٢) انظر البيت في التبيان بتحقيقنا ٢/ ٥٢٥، والبيت لأبى العلاء المعرى، وهو في اللزوميات ٢/ ٢١٧٦.