الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

القسم الثاني من [التجنيس ويقال له الناقص]، والمشبه،

صفحة 5 - الجزء 3

التقرير الثاني في بيان أمثلته

  وهي واسعة الخطو ممتدة الحواشى في كتاب الله تعالى وسنة رسوله، وكلام البلغاء كأمير المؤمنين كرم الله وجهه وغيره من أرباب البلاغة الذين خاضوا بحر عمانها، وغاصوا على لآلئها ومرجانها، وميزوا فيها بين خرزها وجمانها، وحصلها ومجانها، وفصلوا منها بين هجينها وهجانها، فمن أمثلة التنزيل قوله تعالى: {بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ}⁣[المائدة: ٦٤] وقوله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنا}⁣[القمر: ١٤] وقوله تعالى: {وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ٢٧}⁣[الرحمن: ٢٧] وقوله تعالى: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}⁣[ص: ٧٥] وقوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي}⁣[طه: ٣٩] وقوله تعالى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}⁣[الحجر: ٢٩] وقوله تعالى: {فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}⁣[الزمر: ٥٦] إلى غير ذلك من الآيات الموهمة بظاهرها للأعضاء والجوارح، فإذا قام البرهان العقلي على استحالة هذه الأعضاء على الله تعالى وأنه منزه عن جميع أنواع التشبيهات المكونات الجسمية والعرضية وتوابعهما كالكون في الجهات، والأعضاء والجوارح، والحلول والمجيء والذهاب وغير ذلك من توابع الجسمية والعرضية، فلا بد من تأويل هذه الظواهر على ما تكون موافقة للعقل، وإعطاء للبلاغة حقها لأن مخالفة العقل غير محتملة، وحمل الكلام على غير ظاهره محتمل، وتأويل المحتمل أحق من تأويل غير المحتمل، فلهذا وجب تأويلها، وللعلماء في تأويلها مجريان:

  فالمجرى الأول الذي ينتجه علماء الكلام من الزيدية والمعتزلة وغيرهم من المنزهة، وهو أنهم يتأولون هذه الظواهر على تأويلات وإن بعدت حذرا عن مخالفة العقل، واغتفر بعدها لأجل مخالفة العقل، ويعضدون تأويلاتهم بأمور لغوية، فيقولون المراد باليد النعمة، وإن المراد بالعين العلم، إلى غير ذلك، وحملهم لها على هذه التأويلات لما لم يأنسوا بشئ من علوم البيان، ولا ولعوا بشئ من مصطلحاته، فجاءوا بهذه التأويلات الركيكة التي يأنف منها كل محصّل، ويزدريها نظر أهل البلاغة.

  المجرى الثاني وهو الذي عول عليه علماء البلاغة والمحققون من أهل البيان، وهي أنها جارية على نعت التخييل، فهي في الحقيقة دالة على ما وضعت له في الأصل، لكن معناها غير متحقق، وإنما هو أمر خيالي، فاليد مثلا دالة على الجارحة، والعين كذلك لكن تحقق