القسم الثاني من [التجنيس ويقال له الناقص]، والمشبه،
  إنما جاء مؤذنا بالإيجاز وبلوغ الغاية في الاختصار، فلو أتى كله مسجوعا لأبطل إيجازه واختصاره، لأن السجع إذا كان ملتزما في جميع المواضع كلها، فقد لا يتواتى الإيجاز معه والاختصار، فلهذا كان على الأمرين جميعا، وأما ثانيا: فلأن الكلام المسجع أفصح وأبلغ من غير المسجع، فإتيان ما ليس مسجوعا في القرآن يؤذن مع كونه غير مسجوع أنه في غاية الإعجاز مع عدم السجع وفي هذه دلالة على إعجازه من كل الوجوه، وقد ورد فيه التسجيع في الطويل، والقصير، والمتوسط، فمن القصير قوله تعالى: في سورة النجم {وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ١ ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى ٢ وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ٣ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ٤ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ٥ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى ٦ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ٧}[النجم: ١ - ٧] فأكثر السورة وارد على قصير السجع، وأما الطويل فكقوله تعالى: {إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ١٢ وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً ١٣ لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً ١٤}[الفرقان: ١٢ - ١٣ - ١٤] فانظر كم نظم كل واحدة من الفقرتين من الألفاظ. ويرد الطول في السجع على أكثر ما ذكرناه هاهنا حتى ينتهى إلى عشرين كلمة أو أكثر كما مر. وأما المتوسط فكقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ١ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ٢ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى ٣ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى ٤ فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى ٥ سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ٦ إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى ٧}[الأعلى: ١ - ٧] إلى غير ذلك من الأساجيع المتوسطة التي ليست طويلة ولا قصيرة، ولا حاجة بنا إلى تكثير الأمثلة السجعية من القرآن، لأنها أكثر من أن تحصى بعدّ، أو تحصر بحدّ. فأما ما ورد من القرآن غير مسجوع فهو كثير، لكنه بالإضافة إلى ما هو مسجوع منه قليل كقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ٦ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ٧ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ ٨ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ٩}[الانفطار: ٦ - ٩] فانظر إلى اختلاف رؤوس هذه الآي كيف أتى من غير تسجيع، وما ذاك إلا لأجل السر الذي ذكرناه. فأما الأمثلة الواردة في السنة النبوية في التسجيع فهي كثيرة واسعة، وهذا كقوله ÷: «هو أوضح دليل، إلى خير سبيل»، وقوله #: «ألا وإن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والتزود لسكنى القبور، والتأهب ليوم النشور»، وقوله: «وقد رأيتم الليل والنهار كيف يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود» وقوله #: واعلموا أنكم عن قليل راحلون، وإلى الله صائرون، فلا يغنى عنكم هناك إلا عمل صالح