الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

القسم الثاني من [التجنيس ويقال له الناقص]، والمشبه،

صفحة 34 - الجزء 3

الصنف الرابع عشر في بيان المنافرة بين الألفاظ ومراعاة حسن مواقعها

  اعلم أن حسن التأليف وجودة السبك له موقع عظيم في البلاغة، والفرق بين هذا الصنف والذي قبله، هو أن المعاظلة آئلة إلى البعد عن تراكب الألفاظ وترادفها كما فصلنا أمثلته، وهذا النوع ليس فيه تراكب ولا تداخل، وإنما حاصله هو أن إيراد اللفظة غير لائق بموضعها التي وردت فيه فتورث في الكلام تنافرا، وتكون بمنزلة نواة في عقد در، وبعرة بين لآلئ إلى غير ذلك من المباينة، فحاصل الأمر في المنافرة أن معناها وقوع الكلام غير ملائم لما قبله ولا مناسب له، ثم هي في وقوعها في الكلام على وجهين:

الوجه الأول منهما أن يكون التنافر واقعا في كلمة واحدة ومثاله قول أبى الطيب المتنبي⁣(⁣١):

  لا يبرم الأمر الذي هو حالل ... ولا يحلل الأمر الذي هو يبرم

  فقوله: «حالل» ينبو الفهم عنها لكونها غير لائقة لأجل لفظها؛ فأما معناها فهو مستقيم، ولهذا فإنه لو أبدلها بقوله فلا يبرم الأمر الذي هو ناقض ولا ينقض الأمر الذي هو يبرم لكانت صحيحة غير نافرة، فظهر بما قررناه أن النفار عنها إنما كان من أجل صيغتها وهو تفكيك الإدغام الذي كان فيها لا غير، ولهذا فإن لفظة «يحلل» مخالف «لحالل» فإنه جاء الفك في الفعل المضارع كقوله تعالى: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي}⁣[طه: ١١] والسر في ذلك هو أن حركة اللام في الاسم لازمة لأجل الإعراب، فلهذا التزم إدغامه لأن الإدغام إنما يكون بساكن في متحرك، بخلاف الفعل، فإن حركة اللام غير لازمة لأجل الجازم، فلهذا جاء فيه الفك، وقد وضح ذلك بما ذكرناه لك أن تبديل «حالل» «بناقض» هو الوجه، وأن حاللا ليس فصيحا كما قررناه، وحكى عن المعرى أنه كان كثير الغرام بشعر أبى الطيب المتنبي، وكان يسميه الشاعر، ومن عداه يسميه باسمه، وكان يقول ليس في شعره لفظة يكون غيرها أحسن منها، وهذا لا وجه له، فإن الحق أحق أن يتبع، فإن الأفصح خلاف ما أتى به في هذا البيت كما أشرنا إليه، ومن ذلك ما أنشده بعض الأدباء لدعبل:

  شفيعك فاشكر في الحوائج إنه ... يصونك عن مكروهها وهو يخلق


(١) البيت في التبيان للعكبرى ٢/ ٣٦٩.