الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

القسم الثاني من [التجنيس ويقال له الناقص]، والمشبه،

صفحة 39 - الجزء 3

  وقد أجاب بعض الشعراء عن لغز هذين البيتين فقال:

  سؤالك جلمود من الصخر أسود ... خفيف لطيف ناعم الجسم أملس

  أقيم بسوق الصّرف حكما كأنه ... من الزّنج فاض بالخلوق مطلّس

  ومن لطيف الإلغاز ورشيقه ما قاله بعض الشعراء في الخلخال:

  ومضروب بلا جرم ... مليح اللون معشوق

  له قد الهلال على ... مليح القد ممشوق

  وأكثر ما يرى أبدا ... على الأمشاط في السّوق

  فهذا ما أردنا ذكره من أمثله الإلغاز في المنظوم، فأما أمثلته من المنثور فهي كثيرة، وقد ورد في الحريريات كالذي ضمنه المقامة الثامنة في الإبرة والمرود وغير ذلك فيها، فأما القرآن الكريم فليس فيه شيء من ذلك، لأن ما هذا حاله إنما يعرف بالحدس والنظر، والقرآن خال عن ذلك، لأن معرفة معانيه مقررة على ما يكون صريحا لا يحتمل سواه من المعاني، أو ظاهرا يحتمل غيره، أو مجملا يفتقر إلى بيان، فأما ما يعلم بالحزر والحدس فلا وجه له في القرآن، وأما السنة فقد روى أن الرسول ÷ كان سائرا بأصحابه يريد بدرا فلقيه بعض العرب فقال لهم ممن القوم؟ فقال الرسول ÷: «نحن من ماء»، فأخذ الرجل يفكر ويقول من ماء من ماء لينظر أي العرب يقال له ماء؟، وهذا ليس يعد من الإلغاز وإنما يعد من المغالطة المعنوية، لأن قوله «ماء» يحتمل أن يكون بعض بطون العرب يقال له «ماء» كما يقال هو «ماء السماء» ويحتمل أن يكون مراده أنهم مخلوقون من الماء، أي النطفة، فهو كما ذكرناه صالح للأمرين على جهة الاشتراك، ودلالة الإلغاز إنما هي من جهة الحدس لا من جهة اللفظ كما أشرنا إليه، فإذن فالقرآن والسنة جميعا منزهان عما ذكرناه من الإلغاز، ويحكى عن امرئ القيس أنه تزوج امرأة فأراد امتحانها من هذه الإلغازات، فقال لها قبل أن يتزوجها ما اثنان، وما ثلاثة، وما ثمانية، فقالت: أما الاثنان فثديا المرأة، وأما الثلاثة فأخلاف الناقة، وأما الثمانية فأطباء الكلبة، وهو كثير في كلام العرب في منظومها ومنثورها كما أشرنا إليه.