الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

القسم الثاني من [التجنيس ويقال له الناقص]، والمشبه،

صفحة 42 - الجزء 3

  أقول لها وقد جشأت وجأشت ... مكانك تحمدى أو تستريحى

  ومن هذا ما قاله بعض الشعراء:

  أقول للنفس تأساء وتعزية ... إحدى يدىّ أصابتنى ولم ترد⁣(⁣١)

  ومن ذلك ما قاله الأعشى⁣(⁣٢):

  ودّع هريرة إنّ الرّكب مرتحل ... وهل تطيق وداعا أيّها الرّجل

  فهو في هذه الأبيات كلها خطابه مقصور على نفسه دون غيره، فإذا تمهدت هذه القاعدة فهل يطلق اسم التجريد على النوع الثاني على جهة الحقيقة أم لا، وفيه مذهبان،

  المذهب الأول أنه لا يطلق عليه اسم التجريد، وإنما يقال له نصف تجريد، وهذا هو الذي زعمه ابن الأثير،

  فإن التجريد الحقيقي هو ما ذكرناه في النوع الأول، وهو أن تخاطب غيرك وتوجه الخطاب إليه وأنت تريد نفسك، وأما ما هذا حاله فإنك توجه الخطاب فيه إلى نفسك، فلهذا كان نصف تجريد كما ترى، والحقيقة هي أن الإنسان لا يخاطب نفسه، وإنما يخاطب غيره.

  المذهب الثاني أن اسم التجريد يطلق عليه وهذا هو الذي ذكره أبو علي الفارسي

  وهذا وهو الأقرب، وتقريره هو أن الإنسان حقيقة ليس عبارة عن هذه الصورة المدركة من الأبعاض والأوصال، وإنما هو أمر وراء ذلك، وللعلماء فيه خوض عظيم وتفاصيل طويلة، وأقربها مذهبان، أحدهما وهو الذي عول عليه المعتزلة وهو مذهب أئمة الزيدية، أن حقيقة الإنسان عبارة عن مجموع آسان متصلة به تقصد بالمدح والذم والثواب والعقاب والأمر والنهى وغير ذلك مخالفة لسائر الحقائق وهي الإنسانية، وهي مؤلفة من أجزاء جسمانية، وثانيهما مذهب أكثر الفلاسفة، وهو أن الإنسانية عبارة عن النفس الناطقة، وهي أمر حاصل في الإنسان ليست جسما ولا عرضا، ولكنها حقيقة معقولة إلى غير ذلك من التفاصيل لمذهبهم، فإذا كان الأمر كما قلناه فحاصل كلام الفارسي أن العرب تعتقد


(١) البيت لأعرابى في خزانة الأدب ٤/ ٣١٢، ٦/ ٣٦١، وبلا نسبة في الخصائص ٣/ ٢٥، وشرح المفصل ٣/ ١٠.

(٢) البيت في الإيضاح ص ٣١٩.