القسم الثاني من [التجنيس ويقال له الناقص]، والمشبه،
  وإذا جلست إلى المدام وشربها ... فاجعل حديثك كلّه في الكاس
  وإذا نزعت عن الغواية فليكن ... لله ذاك النزع لا للنّاس
  وإذا أردت مديح قوم لم تلم ... في مدحهم فامدح بنى العبّاس(١)
  فقاتله الله، ما أرق كلامه، وما أعجب ما جاء به من النسيب وحسن التخلص، فكأن ما جاء به رحيق مفلفل، أو نهر جار تسلسل، ومما جاء من التخلص الحسن في بيتين قول أبى الطيب المتنبي:
  مرّت بنا بين تربيها فقلت لها ... من أين جانس هذا الشّادن العربا
  فاستضحكت ثمّ قالت «كالمغيث» يرى ... ليث الشّرى وهو من عجل إذا انتسبا(٢)
  ويكثر وجوده في أشعار المتأخرين، كالمتنبى وأبى تمام والبحتري، ويعز وجوده في قصائد المتقدمين أعنى التخلص القصير، فأما التخلصات الطويلة فلا بد لكل مادح منها وإن وجدت على تطويل في القصائد الطوال، وإنما البراعة ما وجد من التخلص الرائق في الكلام القصير كما أشرنا إليه والله أعلم، ومن نفيس ما يذكر في التخلصات ما قاله أبو الطيب المتنبي أيضا:
  أقبلتها غرر الجياد كأنما ... أيدي بنى عمر ان في جبهاتها(٣)
  فهذا من أعجب ما يذكر من الخلاص من النسيب إلى المديح في أخصر لفظ وأقصره، وهو من بدائعه الحسنة، وعجائبه المستحسنة التي فاق بها على نظرائه، من أبناء زمانه، وتميز بها من بين أترابه وأقرانه، ومن رقيق التخلص ودقيقه ما قاله ابن الرومي يمدح رجلا بالكرم:
  ما من مزيد في بليّة عاشق ... ونديّ وجود في أبي إسحاق
  فهذا وما شاكله من مليح ما يذكر في التخلصات القصيرة ويورد في أمثلتها.
(١) انظر المصباح ص ٢٧١، ص ٢٧٢.
(٢) انظر المصباح ص ٢٧٢.
(٣) انظر ديوانه ج ١ ص ٢٣١.