الباب الرابع من فن المقاصد في ذكر أنواع علم البديع وبيان أقسامه
  إن يكن صبر ذي الرّزيئة فضلا ... تكن الأفضل الأعزّ الأجلّا
  أنت يا فوق أن تعزّى عن الأ ... حباب فوق الذي يعزّيك عقلا
  وبألفاظك اهتدى فإذا عزّا ... ك قال الذي له قلت قبلا(١)
  فالبيت الآخر من هذه المقطوعة هو الذي وقع به المسخ، فانظر إلى ما بينهما من التفاوت في الرقة واللطافة والجودة والرشاقة.
  الوجه الثاني: عكس هذا وهو أن ينقل من صورة قبيحة إلى صورة حسنة، وهو معدود في السرقات، وإن كان بعضهم لا يعده منها وهذا كقول المتنبي:
  لو كان ما يعطيهم من قبل أن ... يعطيهم لم يعرفوا التأميلا(٢)
  وقد أخذه ابن نباتة السعدي فأجاد فيه كل الإجادة قال:
  لم يبق جودك لي شيئا أؤمّله ... تركتني أصحب الدنيا بلا أمل(٣)
  فانظر كيف أخذه عباءة وزجاجة، ثم رده ياقوتة وديباجة، فبينهما بعد متفاوت ودرجات متباينة، ومن ذلك ما قاله أبو نواس يذكر لعب الخيل بالصولجان من أرجوزة له يصف ذلك:
  جنّ على جنّ وإن كانوا بشر ... كأنما خيطوا عليها بالإبر
  أخذه المتنبي فأذاقه حلاوة، وأكسبه رونقا وطلاوة، قال:
  فكأنما نتجت قياما تحتهم ... وكأنهم ولدوا على صهواتها(٤)
  فقاتله الله، لقد تباهى في الإعجاب، وأتى بما يدهش العقول، ويسحر الألباب، ومن ذلك ما قاله أبو الطيب أيضا وقد أنشدناه من قبل هذا:
  إني على شغفى بما في حرها ... لأعفّ عمّا في سراويلاتها(٥)
  أخذه الشريف الرضى فأحسن فيه كل الإحسان قال فيه:
  أحنّ إلى ما يضمن الخمر والحلى ... وأصدف عمّا في ضمان المآزر
(١) انظر ديوانه ج ٢ ص ١٥٩.
(٢) انظر الديوان ج ١ ص ١٩٣.
(٣) البيت في الإيضاح ص ١٩٤.
(٤) انظر الديوان ج ١، ص ٢٣١.
(٥) انظر الديوان ج ١، ص ٢٣١.