الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

النظر الرابع في الفصل والوصل

صفحة 173 - الجزء 3

  الجبال وما تضمنته من العجائب العظيمة من أجل أنهم إذا قعدوا في البراري وبطون الأودية، لا يأمنون التخطف لهذه الأنعام والنفوس والأموال، فأشار إليها لما فيها من التحفظ على أموالهم ونفوسهم، بارتفاعها وكونها شوامخ لا يوصل إليها لعلوها وارتفاعها، فعقب بها ذكر السماء، لما أشرنا إليه، ووجه آخر وهو أنها لما كانت في غاية الارتفاع والسمو أشبهت السماء في علوها وارتفاعها، فلهذا عقبها بها، ثم أردفها بذكر الأرض، ومنبها على ما لهم فيها من المعاش والاستقرار بأنواع الارتفاقات التي لا يعلم تفاصيلها إلا الله تعالى من الأرزاق والثمار والفواكه والمعادن ومجارى العيون والأمواه، وغير ذلك، فأشار الله تعالى إلى هذه العجائب الأربعة، لمّا كانت من أعظم الآيات الباهرة، وقد عددنا هذه في عطف المفردات نظرا إلى عطف المجرورات بعضها على بعض وكان ما بعدها منفصلا عنها، فهذا هو الذي حسن منه، والأقرب أن يكون من الجمل، لأن ما تقدم من المجرورات هو متعلق بالجمل بعدها، فلهذا كان معدودا من الجمل، الآية الثانية ذكرها في سورة آل عمران وهي قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ}⁣[آل عمران: ١٤] فانظر إلى عجائب هذه الآية ولطافة معناها في تقديم بعضها على بعض، فلما كانت الآية مسوقة من أجل تزيين المشتهيات في أفئدة بني آدم واستيلائها عليها قدّم ما هو الأدخل في ذلك، فصدرها بذكر النساء، تنبيها على أن لا مشتهى يغلب على العقول مثلهن على القلوب من توقان النفوس إليهن وعن هذا قال ÷: ما رأيت أغلب لذوي العقول من النساء، وعن إبليس: ما نصبت فخا أثبت في نفسي من فخ أنصبه بامرأة، وفي هذا دلالة على استيلائهن على العقول، لأنهن أدخل في المشتهيات، ثم عقّبه بذكر البنين لما كانوا مما يلي النساء في الرقة والرحمة والشفقة والحنو، مع المشاكلة في الخلقة والصورة، ثم أردف ذلك بالأموال الذهبية والفضية، لما يحصل فيها من اللذة والسرور والاطمئنان وانشراح الصدور بها والاستطالة والقوة، كما يحصل بالأبناء، ولكن الأولاد أدخل فرحا وأشد محبة، وأكثر بهم رحمة ورأفة، وقوله: «القناطير المقنطرة» مبالغة في وصفها، كما