المطلب الثاني في ذكر ما يتعلق ب [البلاغة] على الخصوص
  الوجودات الأخر، لأن الشئ إذا لم يكن له تصور في الذهن وتحقق فإنه لا يمكن وجوده في الخارج بحال ثم بعض التصورات الذهنية قد يستحيل وجودها في الخارج كما تقول في القديم تعالى والقدرة القديمة والحياة القديمة فإن هذه وإن أمكن تصورها في الذهن لكن لا حقيقة لها في الخارج بالبرهان العقلي، وتارة يكون له وجود في الخارج وهو سائر الممكنات.
  المرتبة الثانية: التحقق في الأعيان وهذا نحو ما يوجد في العالم من المكونات، فإن لها تحققا في الوجود الخارجي والتعين الوجودي، ولسنا نريد بالوجود العيني هو كل مدرك ولكن نريد كل ما حمله الوجود الخارجي عن الذهن، مدركا كان أو غير مدرك.
  المرتبة الثالثة: الألفاظ الدالة على تلك الصور الخارجية والذهنية فإن هاهنا ألفاظا قد وضعت للدلالة عليها لضرب من المصلحة العقلية.
  المرتبة الرابعة: الكتابة الدالة على تلك الألفاظ فالمرتبتان الأوليان لا يفتقران إلى المواضعة، لأنهما عقليان، والمحتاج إلى المواضعة إنما هو المرتبة الثالثة، والرابعة، ومزية الكمال في الحسن والجمال تكون فيهما جميعا، والبلاغة تحصل في كل واحد منهما، لكن الكلام أوسع مجالا وأعظم مضطربا، وفيه وقع التنافس في البلاغة نظما ونثرا. والكتابة مسبوقة في المواضعة عليها بالكلام فلا يمكن المواضعة عليها إلا بعد سبق الكلام وقد تفننوا في الخط أنواعا من التفنن وتوسعوا فيه ضروبا من التوسعات، ولنشر من ذلك إلى تصرفين:
  التصرف الأول: منها بالإضافة إلى النّقط، وذلك على أوجه أربعة:
  أولها أن تكون الكلمات المتوالية معراة كلها من النقط، وهذا مثاله قول الحريري:
  أعدد لحسادك حد السلاح ... وأورد الآمل ورد السماح
  وثانيها: أن تكون الكلمات كلها لا حرف منها إلا وهو منقوط ومثاله أيضا ما قاله الحريري
  فتنتنى فجننتنى تجنى ... بتجن يفتن غب تجنى
  وثالثها: أن توجد كلمات، واحدة منها كلها منقوطة وواحدة لا حرف فيها منقوط وهذا كقوله أيضا: «الكرم - ثبت الله جيش سعودك - يزين، واللؤم - غضّ الدهر جفن حسودك - يشين.