الفصل الأول في بيان فصاحة القرآن
  الاحتذاء لقائلها، وهذا الجواب على رأى من قال: الحرف هو الصوت من غير مغايرة بينهما، وهو المختار، لأنه لو كان أحدهما غير الآخر، لصح انفراد الحرف عن الصوت، إذ لا ملازمة بينهما فتوجد أحرف قولنا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ٢}[الفاتحة: ٢] ولا توجد أصواتها، أو توجد هذه الأصوات المقطعة ولا توجد أحرفها، وهذا لا وجه له، وأما ثانيا فإنه يأتي على رأى من قال: الحرف غير الصوت كما هو محكى عن الشيخين، أبى الهذيل، وأبى على الجبائي، والسبب في هذه المقالة لهما هو ما ذكرناه من هذه الشبهة، وعلى هذا فإن الحاكي وإن أتى بالصوت، فإنه غير آت بالحرف، فيكون الإعجاز بالحرف دون الصوت، ولعمري إن الجواب عن الشبهة على هذا القول سهل، لكن هذا القول محال وخطأ لما ذكرناه، والجواب عنها يكون بما أشرنا إليه وبالله التوفيق.
  الجهة السابعة من الطعن في القرآن بالإضافة إلى ألفاظه والاختلاف فيها
  يكون على أوجه أربعة، أولها في نفس الألفاظ كقراءة من قرأ (وتكون الجبال كالصوف المنفوش ٥) [القارعة: ٥] بدل {كَالْعِهْنِ} وقراءة (فامضوا إلى ذكر الله) [الجمعة: ٩] بدل {فَاسْعَوْا} وقراءة (فكانت كالحجارة أو أشد قسوة) [البقرة: ٧٤] بدل {فَهِيَ كَالْحِجارَةِ} وقراءة (فاقطعوا أيمانهما) [المائدة: ٣٨] عوض {أَيْدِيَهُما} وقراءة {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ٤}[الفاتحة: ٤] بدل ملك إلى غير ذلك من الاختلاف في ألفاظه وثانيها في ترتيب ألفاظه كقوله تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ}[البقرة: ٦١] وقرئ (ضربت عليهم المسكنة والذلة) وقرئ: (وجاءت سكرة الحق بالموت) عوض قوله: {وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ}[ق: ١٩] وقوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ}[البقرة: ٣٧] برفع «آدم» وقرئ {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ} برفع «كلمات» فإذا رفع «كلمات» كانت مقدمة، وغيرها مؤخر، لأنها فاعلة، وإذا رفع «آدم» كان مقدما وغيره مؤخر، وثالثها الزيادة كقوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم) [الأحزاب: ٦] وقال تعالى: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات بنو تميم أكثرهم لا يعقلون) [الحجرات: ٤] وقوله تعالى: (له تسع وتسعون نعجة أنثى) [سورة ص: ٢٣] وقوله تعالى: (والسارقون والسارقات) [المائدة: ٣٨] ورابعها ما يقع من اختلاف الحركات كقوله تعالى {رَبَّنا باعِدْ}[سبأ: ١٩] على لفظ الماضي وقرئ {باعِدْ} بلفظ الأمر، فالعين تارة تكون مفتوحة، وتارة تكون مكسورة، والمعنى مختلف في ذلك، وقوله تعالى {لَقَدْ