الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

الفصل الأول في بيان فصاحة القرآن

صفحة 249 - الجزء 3

  الجهة السادسة عشرة في الطعن على القرآن بكونه مستبهما لا يعقل معناه

  وبيانه أن الصحابة ¤، وهم الغواصون على علوم القرآن، والمحيطون بعلوم الشريعة، كانوا عاجزين عن إدراك حقائقه وتفاصيلها، فإذا كانوا عاجزين فغيرهم أعجز، وإنما قلنا إنهم قد عجزوا عن إدراك معانيه، لما روى عن أمير المؤمنين كرم الله وجهه: أنه لما سأله ابن الكواء وكان أحد أمرائه عن قوله تعالى: {وَالذَّارِياتِ ذَرْواً ١}⁣[الذاريات: ١] غضب عليه، فلما ألح عليه، قال: هي الرياح، وعن أبي بكر أنه امتنع عن التفسير، وأما عمر فروى أنه سئل عن قوله تعالى: {وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً ١}⁣[النازعات: ١] فضرب السائل على أم رأسه، وحرم كلامه فكلامهم هذا فيه دلالة على أن معانيه غير معقولة، وأنها غير مدركة لأحد من العقلاء، وهذا يبطل المقصود به ويحط من إعجازه.

  والجواب عما زعموه هو أن الصحابة ¤ أعرف بكتاب الله تعالى وأكثر إحاطة بعلوم السنة، ومنهم تؤخذ أسرارها، وعنهم تصدر جميع الأحكام والأقضية في مصادر الشريعة ومواردها، والقرآن والسنة في أيامهم غضان طريان، لقربهم من الرسول ÷ ومشافهتهم له بأحكام الوقائع كلها، ولسنا نبعد أن يتعذر عليهم الإحاطة ببعض دقائق القرآن وأسراره، ويختص الله تعالى بالعلم بها ورسوله، ولكنا نقول: إن أكثر معاني القرآن حاصلة في حقهم يعرفونها ويفتون بها ويفصلون الخصومات والشجار الحاصلين بين الخلق، بما يفهمونه من عمومات القرآن وظاهره، فأما ما عرض من أمير المؤمنين من الإنكار وغيره كأبي بكر وعمر فإنما كان ذلك إذا كانت الرواية صحيحة لأحوال عارضة وما أفتوا به وعملوا عليه أكثر مما سكتوا وتوقفوا فيه، وكيف لا وقد قال أمير المؤمنين: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله إني بطرق السماء لأعلم منى بطرق الأرض، وقال الرسول ÷ «أنا مدينة العلم وعلى بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها»⁣(⁣١)، فمن هذا حاله في العلم كيف يقال إنه غير محيط بأسرار كتاب الله تعالى وغير مشتمل على تفاصيلها فبطل ما توهموه.

  الجهة السابعة عشرة من الطعن على القرآن من جهة فائدته؛ وحاصل ما قالوه هو أن المقصود بالقرآن إنما هو إظهار الدلالة على نبوة الرسول ÷ ودلالته على ذلك ليس إلا من


(١) موضوع. أخرجه العقيلي في الضعفاء وابن عدي في الكامل والطبراني في الكبير والحاكم عن ابن عباس، وابن عدي والحاكم عن جابر، وانظر ضعيف الجامع ح (١٤١٦)، والأحاديث الضعيفة (٢٩٥٥).