الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

باب حدوث الأجسام

صفحة 129 - الجزء 1

  أحدها: أن في الجسم معنى غيره، وهو العرض.

  والثانية: أن العرض محدث.

  والثالثة: أن الجسم لا يخلو منه.

  والرابعة: أن حكم الجسم في الوجود كحكم العرض.

  أما الدعوى الأولى في إثبات الأعراض: فالدليل على أن في الجسم معنى غيره وهو العرض، أنا وجدنا الجسم في جهة ثم انتقل إلى جهة أخرى مع جواز ألا ينتقل، فإذا انتقل فلا بد من أمر يوجب انتقاله، وكذلك إذا كان متحركاً فصار ساكناً، أو يكون مجتمعاً فصار متفرقاً، فلا بد من أمر ومؤثر يصير له الجسم أولى بهذه الصفات من التي كان عليها، وذلك الأمر لا يخلو من ثلاثة: إما أن يكون ذاته وصفاته، أو الفاعل، أو وجود معنى لا يجوز أن يكون لذات الجسم وصفاته؛ لأن الأجسام باقية كما كانت وهذه الصفة قد تغيرت، وأيضاً فإن هذه الصفات متضادة والعلة الواحدة لا توجب صفتين ضدين ولا صفات متضادة، فبطل أن يكون لذاته.

  والوجه الثاني: أنه لا يكون بالفاعل؛ لأن القدرة على صفة الذات تتبع القدرة على الذات، ونحن لا نقدر على ذات الجسم، فلا نقدر على صفاته بغير واسطة توجد فيه وهو المعنى، ألا ترى أن أحدنا لما لم يقدر على إيجاد ذات كلامه قدر على صفته إن شاء جعله أمراً أو نهياً وإن شاء جعله خبراً، ولما لم يقدر على كلام غيره لم يقدر على صفة كلامه أيضاً كذلك هذا.

  دليل آخر: وهو أنه قد تقرر في العقل حسن الأمر والنهي كما يأمر أحدنا غيره بمناولة جسم، لا بد أن يكون الأمر بشيء حتى يحسن لا يجوز أن يكون أمراً